|
ليس هناك من شك في أن الصناعة البتر وكيماوية السعودية قد حققت نجاحات واضحة إن نحن نظرنا إليها بصورة منفردة ولم نأخذ انعكاسات هذه الصناعة على كفاءة استخدام الطاقة في المملكة، إما ضمن نظرة شاملة أوسع، فإن لهذه الصناعة دورًا في الحد من كفاءة استخدام موارد الطاقة في بلادنا، وهي قضية على قدر كبير من الأهمية في ظل كون المملكة واحدة من أقل دول العالم كفاءة في استخدام الطاقة.
من ثم فهناك حاجة وضرورة ملحة لأن نقوم بإعادة النظر في هذه الصناعة، بما يضمن تحولها إلى إضافة حقيقة لاقتصادنا في الوقت الذي نحقق كفاءة أعلى في استخدام مواردنا النادرة. فانخفاض حجم إنتاج المملكة من الغاز نسبيًا وتوجيه معظم هذا الإنتاج للصناعة البتر وكيماوية ترتب عليه أن نضطر إلى إنتاج الكهرباء وتحلية المياه من خلال حرق النفط الخام، حيث يحرق لهذا الغرض ما يزيد على مليون برميل يوميًا.
وإذا أخذنا في الاعتبار أن هذا النفط يباع على شركة الكهرباء والمؤسسة العامة لتحلية المياه بسعر يبلغ في المتوسط ثلاثة دولارات للبرميل، في حين أن سعر برميل النفط الخام يتعدى سعره في السوق العالمية المائة دولار، فإن ذلك يعني أننا نخسر بسبب ذلك ما يزيد على 100 مليون دولار يوميًًا، أو أكثر من 36 مليار دولار سنويًا، وهو مبلغ يعادل عدة أضعاف الأرباح التي تحققها شركات البتروكيماويات في المملكة سنويًا.
من ثم فإن تكلفة صناعة البتروكيماويات لا تتمثل فقط في تكلفة الفرصة البديلة المتمثلة في الفرق بين تسعير الغاز المباع إلى شركات البتروكيماويات وسعره في السوق العالمية، ولا تقتصر فقط على تسبب هذا الانخفاض في سعر الغاز في تقليل الحافز لدى شركات البتروكيماويات للانتقال من صناعة بتروكيماوية أساسية متدنية التقنية ومحدودة القيم المضافة إلى تصنيع منتجات بتروكيماوية متطورة عالية القيم المضافة، كونها غير محتاجة لذلك في ظل ما تحققه من أرباح هائلة من مجرد تدني تسعير الغاز المصاحب مقارنة بسعره العالمي، وإنما تشمل هذه التكلفة أيضًا، وهذا هو الأهم والأخطر، تسبب هذه الصناعة في اضطرارنا لحرق البترول الخام عالي القيمة في توليد الكهرباء وتحلية المياه بدلاً من استخدام الغاز الرخيص الذي يتوقع أن تشهد أسعاره مزيدًا من الانخفاض مستقبلاً، على عكس أسعار النفط التي يتوقع أن تواصل ارتفاعها خلال السنوات القادمة.
هذه الحقائق تجعل من الضروري جدًا إعادة صياغة إستراتيجية استخدام مصادر الطاقة في المملكة وخصوصًا أن النمو الكبير في استهلاك النفط محليًا خلال السنوات القادمة لن يتسبب فقط في مزيد من التدهور في كفاءة استخدام مصادر الطاقة، بل سيتسبب أيضًا في الضغط بقوة على طاقة تصدير النفط في المملكة، باعتبار أن النمو الكبير المتوقع في الطلب على الكهرباء والمياه المحلاة خلال السنوات القادمة، سيضطرنا إلى توجيه مزيد من إنتاجنا النفطي لتلبية الطلب المحلي، ما سيجعلنا أمام معضلة خطيرة في ظل اعتمادنا الكبير على إيراداتنا النفطية.
والحل الأمثل لوضح حد لهذا الهدر يتمثل في وضع استراتيجية تستهدف التوقف تمامًا، وفي أسرع وقت ممكن، عن استخدام النفط الخام في إنتاج الكهرباء وتحلية المياه، وأن يستخدم بدلاً عن ذلك الغاز الطبيعي، وأن يكون لهذين القطاعين الأولوية على الصناعة البتر وكيماوية في استخدام الغاز.
أما بالنسبة لحاجة الصناعة البتر وكيماوية من الغاز، وفي ظل امتلاك دولة قطر لثالث أكبر احتياطي في العالم من الغاز الطبيعي، فيمكن تأمين أي عجز في لقيم الصناعة البتر وكيماوية من خلال مد خط أنابيب ينقل الغاز القطري إلى مراكز الصناعة البتر وكيماوية في المملكة وعلى شركات البتروكيماويات شراؤه وفق سعره العالمي.
إن مثل هذا الإجراء سيسهم في تحقيق عدد من الإيجابيات للمملكة ولكفاءة استخدامنا لمصادر الطاقة.
فمن جانب ستتمكن المملكة من تحقيق إيرادات كبيرة من صادرتها من النفط الخام الذي يهدر حاليًا في توليد الكهرباء وتحلية المياه، كما ستحمي قدرتها التصديرية من التراجع بسبب استمرار النمو العالي في الطلب المحلي على النفط نتيجة النمو الكبير المتوقع في الطلب على الكهرباء والمياه المحلاة. واضطرار الصناعة البتر وكيماوية لشراء الغاز بالسعر العالمي سيجعل قدرتها على البقاء مرهونًا بنجاحها في رفع كفاءة أدائها، الذي لن يكون ممكنًا إلا من خلال اندماج هذه الشركات وسعيها الحثيث لخفض تكاليف إنتاجها، وكذلك من خلال دخولها في قطاع المنتجات البتر وكيماوية المتطورة وعالية القيمة المضافة ما يتسبب في تطور صناعتنا البتر وكيماوية التي ظلت حتى الآن حبيسة الصناعة البتر وكيماوية الأساسية، بسبب ما تحققه هذه الصناعة من أرباح سهلة بفضل التسعير المنخفض للغاز المصاحب.
واستخدام الغاز في توليد الكهرباء وتحلية المياه سيخفض التكلفة الحقيقية للإنتاج في هذين القطاعين، ما يخفض من عبئهما المالي على الدولة ويزيد من فرص نجاح تخصيصهما مستقبلاً، حيث سترتفع إمكانية تحميل المستهلكين لجزء أكبر من تكلفة الإنتاج مع انخفاض هذه التكلفة باستخدام الغاز الطبيعي بدلاً من النفط الخام، وهو أمر غير ممكن أن بقينا نعتمد على النفط الخام كمصدر للطاقة في هذين القطاعين.
أكاديمي وكاتب اقتصادي
alsultan11@gmail.com