ما تقوم به الحكومة السورية ضد شعبها هو نوع من أنواع الإرهاب المنظم، وهو لم يكن لِيَحدُث لولا حصول الرئيس الأسد على الدعم والتمويل اللازمين من دول مارقة، وأخرى تدعي حمايتها حقوق الإنسان، وحرصها على نشر الديموقراطية والعدل بين شعوب العالم. شتان بين المواقف السياسية المبنية على أسس إنسانية، دينية، وأخلاقية، وبين مواقف المصلحة التي لا تتردد في تبني قرارات غير إنسانية لتحقيق أهداف وأطماع دنيوية زائلة.
خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أبلغ الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف، في اتصال هاتفي الأسبوع الماضي، بأن «أي حوار حول ما يجري في سورية حالياً لا يجدي، وأنه كان أولى بالروس التنسيق مع العرب قبل استخدامهم حق النقض في مجلس الأمن، ضد قرار يندد بالوضع في سورية. الملك عبدالله شدد على أن السعودية «لا يمكن إطلاقاً أن تتخلى عن موقفها الديني والأخلاقي تجاه الأحداث الجارية في سورية». الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية، انسحب من جلسة مؤتمر «أصدقاء سوريا» احتجاجًا على عدم فاعلية الاجتماع، وشدد على أن المملكة «لا يمكن أن تشارك في عمل لا يؤدي لحماية السوريين سريعا»، وتساءل: «هل من الإنسانية أن نكتفي بتقديم الطعام والدواء والكساء للسوريين ثم نتركهم لآلة لا ترحم؟». يعتمد الموقف السعودي على معايير دينية، أخلاقية، وإنسانية، بخلاف مواقف كثيرة، ربما تطابق بعضها مع الموقف السعودي المُعلن، إلا أن نوايها السياسية أبعد ما تكون عن الموقف السعودي النبيل!. فالأعمال بالنيات، وأحسب أن النية الصادقة باتت عملة نادرة في العالم.
إرهاب الحكومات المُنظم يحتاج في الغالب إلى تمويل مالي ضخم، ودعم سياسي، أو تغطية سياسية من أطراف فاعلة في المجتمع الدول، وأجزم أن الرئيس الأسد ما كان ليستمر في قتله شعبه لولا توفر المال؛ برغم العقوبات الدولية ونضوب الخزانة السورية؛ وتوفر الدعم الدولي.
المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، خصص للرئيس الأسد مليارات الدولارات، يُنفق من خلالها على الجيش الذي ما زال مسيطرا على زمام الأمور؛ وأمدهُ بالميليشيا المُتخصصة في القتل والإرهاب، ومنها ميليشيا حزب الله اللبناني، والإيراني، وفيلق بدر. حصول الرئيس الأسد على ذلك الدعم المالي واللوجستي دفعه للمضي في غيه، وصم أذنيه عن الاستماع لنصح المنصحين وعلى رأسهم السعودية التي حاولت كثيرا وقف آلة الحرب والدمار وقتل الشعب قبل اتخاذ موقفها الأخير.
ما يجري في سوريا اليوم هو حرب بين الدين والأخلاق والإنسانية، وبين المكاسب المادية والسياسية، والأعمال التخريبية المروعة. الصين وروسيا تسعيان لتحقيق مكاسب مالية وعسكرية مُقابل موافقتهما على قرار حماية الشعب السوري. دول الغرب تسعى لتحقيق أجندة خاصة بمعزلٍ عن خسائر الشعب السوري المتفاقمة. بعض الفاعلين في الملف السوري تجاوز أهدافه المُعلنة بحماية الشعب الأعزل إلى التخطيط الإستراتيجي لاستخدام جوانب سرية من الملف لإحداث تخريب موازٍ في دول الخليج!؛ تُركيا استغلت الملف السوري لتحقيق مكاسب اقتصادية ومالية، وربما (حدودية) على المدى البعيد. زعماء الحرب في لبنان، تكسبوا، وكعادتهم من أزمة الشعب السوري؛ وبدلا من شرائهم طوق النجاة للقفز من السفينة الغارقة، أصروا على النجاة والمال في آن، فباعوا علاقاتهم بالنظام بأموال الباحثين عن الأمن للشعب السوري، وشتان ما بين الموقفين!. منظمة «حماس» كانت آخر القافزين من سفينة الولي الفقيه والرئيس السوري حين أيد «إسماعيل هنية» الثورة السورية علانية لأول مرة وهو الذي كان أكثر قربا من النظام وأسياده في إيران؛ أما الزعيم خالد مشعل فقد آثر البقاء في قطر على علاقاته بالنظام الأسدي الذي استغله من قبل ضد دول الخليج. مواقف لا علاقة لها بالإنسانية بقدر علاقتها بالمال والمكاسب المتنوعة. من بين تلك المواقف المُشينة، يبرز الموقف السعودي القائم على المعايير الدينية، الأخلاقية، ولإنسانية، والذي مثله في أسمى صوره موقف الملك عبدالله، ووزير خارجيته، وعلماء الأمة والشعب السعودي.
ما يحدث في العالم العربي ليس إلا مخاضًا لتغييرات جوهرية وُضِعَت إستراتيجيتها المحكمة بعناية فائقة لتحقيق أهداف شيطانية، يتجاوز فهمها عقول الشعوب، وربما كثير من الحكومات، والعناصر المُستخدمة في تنفيذ المؤامرة الكُبرى. بل إن بعض الناشطين في ملف التغيير القسري لن يترددوا في توجيه السلاح إلى صدور بني جلدتهم متى فرغوا من الآخرين!؛ ولأولئك أقول؛ ما قاله الله عز وجل في محكم كتابه العظيم «وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ».
f.albuainain@hotmail.com