أفضل المشاريع الاقتصادية التنموية هي تلك التي تتناغم مع طبيعة الموارد واحتياجات المكان الذي تُقام فيه.. وهذا ما يَعِدُ به مشروع مدينة «وعد الشمال» للصناعات التعدينية التي صدر قرار مجلس الوزراء بإنشائها في المنطقة الشمالية من المملكة.

هذه المدينة ستقام في منطقة غنية بالمعادن، وبالذات الفوسفات، وهي قريبة من أماكنٍ تم فيها اكتشاف الغاز، كما أنها لا تبعد كثيراً عن مسار سكة حديد الشمال ـ الجنوب.. وبالتالي فهي مهيأة للانطلاق واستثمار كل هذه العناصر الكفيلة بتحقيق مشروع استثماري تنموي ناجح من الطراز الأول.

ستكون مدينة «وعد الشمال» بمكونات مواردها وما تَقرّرَ اعتمادُه من ميزانيات لإنشائها، مماثلة لما تم إنجازه في الجبيل وينبع ورابغ ورأس الخير، حسب تصريح وزير البترول والثروة المعدنية. وقد رأينا كيف أصبحت هذه المدن الصناعية روافد أساسية في الاقتصاد الوطني بحيث وضعت المملكة ضمن طليعة الدول الأساسية في صناعة البتروكياويات العالمية.

نعم لقد حان الوقت للانعتاق من هيمنة المصدر الوحيد للدخل متمثلاً في تصدير النفط الخام. وقد حققت المملكة خطوات طيبة في الطريق الطويل لتحقيق هذا الحلم، لكن الطريق لايزال طويلاً.. ولاشك أن إنشاء مدينة وعد الشمال وغيرها من المدن الصناعية سيختصر الطريق. وقد كانت التطلعات كبيرة إزاء الوعود التي كانت ومازالت مطروحة عن إنشاء مدن اقتصادية كبرى تحت مظلة الهيئة العامة للاستثمار.. لكن الفرج جاء من مكان آخر! ومع ذلك لن نفقد الأمل رغم المعوقات التي تعرضت لها مشروعات المدن الاقتصادية.

ستكون مدينة «وعد الشمال» للصناعات التعدينية إضافة هامة لاقتصادنا الوطني، فحسب تقديرات رسمية سيضيف المشروع خمسة عشر مليار ريال سنوياً للناتج المحلي الإجمالي.. وأجمل من هذا أن المشروع سيكرس فلسفة التنمية المتوازنة التي تتبناها الدولة والمتمثلة في تحقيق التنمية في جميع مناطق المملكة.. وهذا يعود بالفائدة ليس على هذه المناطق وحدها وإنما أيضا على المدن ذات الكثافة السكانية التي تعاني من الازدحام بسبب تركُّز التنمية.

ولعل من أهم العوائد الإيجابية المتوقعة امتصاص معدلات البطالة المرتفعة في المنطقة عن طريق التوظيف في المشروعات التعدينية وكذلك في المشروعات المساندة التي ستقوم على هامش المشاريع الأساسية والتي قد تستوعب أعداداً تفوق تلك التي تستوعبها المشاريع الأساسية.. فإذا أضفنا إلى ذلك أن نوعية المشاريع تتناغم مع تكوين الموارد الطبيعية في المنطقة يكون هذا التوظيف توظيفاً حقيقياً منتجاً يعود على الجميع بالفائدة بعكس بعض الاستثمارات التي تحقق أرباحاً نقدية وليست اقتصادية تصب في جيوب بعض الأفراد حتى لو كانت غير ذات جدوى من المنظور الاقتصادي والاجتماعي الشامل.

أخيراً وبحكم موقع المنطقة الشمالية فإن هذه المشاريع وما تحققه من تنمية ستكون واجهة للمملكة.. وستنشأ عنها قنوات استثمارية وتجارية مع الدول المجاورة.. وهذه كلها مكاسب حقيقية.