|
عندما أعلن «فيس بوك» إطلاقه اكتتاباً عاماً أولياً بقيمة 5 مليارات دولار في وقتٍ سابقٍ من الشهر الجاري أثنى عديدون على اندفاع الشركة إلى مدّ أواصر الصداقات بين الناس وجعل العالم مكاناً أكثر انفتاحاً. وبحسب الخبراء فإنّ نية الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرغ كانت «نبيلة» و»ملهمة بكل صراحة».
لكن تترافق هيمنة «فيس بوك» وسواه من المواقع الاجتماعية مثال «تويتر» مع توجه جديد مثير للقلق، يتمثل في تغيير مواقع التواصل الاجتماعي لنسيج الصداقة عبر تحويلكم إلى مادة تجارية، وتحويل أصدقائكم ومتتبعي أخباركم إلى عملاء لكم. لقد أنشأنا «التبادل الاجتماعي»، وهو شكل جديد من أشكال التبادل الذي يدعم معارفنا عبر شبكة الإنترنت.
إليكم فيما يأتي الطريقة التي يعمل بها هذا التبادل:
أولاً: يدفع أصدقاؤكم ثمناً مقابل منتجكم. فبفضل نمو مواقع التواصل الاجتماعي بتنا اليوم قادرين أكثر من أي وقتٍ مضى على تشارك المزيد من البيانات. ومع تزايد كمية المواد التي يتم تشاركها يصبح انتباهنا العامل المقيّد للعملية الاستهلاكية؛ لذا ندعوكم الآن إلى التفكير مرتين قبل إطلاق العنان لبياناتكم الخاصة، سواء كانت هذه الأخيرة عبارة عن أغانٍ من موقع «سبوتيفاي» أو صورة لمائدتكم الشهية. وفي عالمٍ يفيض بالمعلومات إلى حدٍّ مفرطٍ ستبدون كأنكم تطلبون من أصدقائكم دفع الثمن الباهظ المتمثل بوقتهم واهتمامهم المستمرَّيْن بالانحسار.
ثانياً: يقيِّم أصدقاؤكم منتجكم ويعطونكم رأيهم به. يقرر «فيس بوك» ما إذا سيُكتب لبياناتكم الاستمرار أو التوقف، وبكلامٍ أكثر دقّة، أصدقاؤكم هم من يقررون ذلك. هذا ومع استخدام «فيس بوك» أداة «إيدج رانك» (EdgeRank)، التي يستعملها الموقع للتصنيف الحسابي للبيانات الخاصة، فإن مدى ظهور تعليقاتكم يعتمد على مدى التقارب (عمق الصلة التي تجمعكم بالأصدقاء قياساً على التفاعلات التي حدثت بينكم فيما مضى)، ومدى الأهمية (نوع التعليق: مجرد تعليق أو صورة أو فيديو)، ومرور الوقت (متى كانت المرة الأخيرة التي نشرتم فيها تعليق). فجلّ ما تفعله هذه الأداة هو نقل أصدقائكم من كونهم عملاء غير مباشرين إلى صناع قرارات نافذين. الأمر مماثل لشركة سيئة الأداء، ففي حال لم يكن الأشخاص يحبون منتجكم فسيتم تحجيمكم ودفعكم إلى القعر.
وأخيراً، يحوِّل أصدقاؤكم البيانات الخاصة بكم للآخرين. يتيح لنا الإعلام الاجتماعي جمع الأصدقاء والأتباع من حولنا على نحوٍ افتراضيٍّ؛ ولذلك، لا يفاجئنا أن نفكّر الآن بأصدقائنا على أنهم متغيرات المخزون، على حدّ تعبير خبراء الاقتصاد. وعندما يصبح عدد ما تملكونه من أصدقاء معروفاً للجميع يتحوّل هؤلاء إلى رأسمال اجتماعي حيوي. وحيث إنّ الأصدقاء يجذبون المزيد من الأصدقاء يصبح كل واحدٍ من معارفكم بمنزلة محرك إحالة تلقائي على المستوى الشخصي ومعبر نحو شعبية أوسع نطاقاً.
وللأسف، تسهم منصات الإعلام الاجتماعي اليوم في تقليص صداقاتنا التي كانت سابقاً منفتحة وغير خاضعة لرقابة وتحويلها إلى مجموعة لا متناهية من التبادلات المحسوبة. وفي المرة التالية التي ترون فيها صديقاً أنصحكم بأن تشكروه بلباقةٍ لقيامه بالأعمال معكم.
(دانييل غولاتي هو أحد أصحاب المشاريع الجديدة في مجال التكنولوجيا، ومقره نيويورك. شارك في تأليف الكتاب الجديد الذي يحمل عنوان: «شغف وهدف: قصص عن أفضل وألمع قادة الأعمال الشباب» (Passion الجزيرة Purpose: Stories from the Best and Brightest Young Business Leaders)).