تنطفئ أزمة لتشتعل أزمة أخرى.. فبعد أزمة الشعير تتكرر المسرحية كل سنة لأزمة ارتفاع مواد البناء عمومًا والأسمنت تحديدًا ولا ندري على من الدور!
ومهما تنوعت الأزمات وتكررت فالسبب واحد، هذه هي الحقيقة المغيب عنها كثير من الناس، فالتلاحق السريع للأزمات ليس سوى ردة فعلٍ طبيعية لسلوك السوق وفق نظرية السعر الأساسية (معادلة العرض والطلب) وهذا ما يحدث فعلاً بطريقةٍ طبيعيةٍ، المهم أن المحصلة كلما زاد الطلب على السلعة وقل معروضها كانت معرضةً للارتفاع دون سقفٍ أحيانًا.
لقد مرَّ الصحابة في عهد النبي صلى الله بقريب من هذا الحدث، إذ جاء في الحديث الذي صححه الألباني عن أنس رضي الله عنه يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله هو المسعرالقابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دمٍ ولا مال)، حيث استدل بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية على أن الأصل في الأسواق ألا تخضع للتسعير مع جوازه حال رأي ولي أمر المسلمين الحاجة إليه، خصوصًا إذا كان السبب ليس قلة الموجود وإنما لحبس السلعة من تجارها.
وإن من المهم أن نفرق بين ما هو حقيقي وبين ما هو مفتعل، لذا فإن النظرة الأولى لحجم المشاريع في السعودية تترك انطباعًا واضحًا أن سبب الارتفاع في سوق الإسمنت ليس سوى ردة فعل طبيعي لكثرة الطلب وعدم كفاية الإنتاج، إذ كان من الأولى أن تعلن سياسة المشاريع التنموية لعشرات السنين المستقبلية كي يستعد المستثمرون والمصنعون لفتح مصانع أو خطوط إنتاج جديدة، إذ إن همّهم الأكبر هو الربحية ولكنهم يخشون من المخاطرة التي تتمثل في قلة الطلب المحتملة، ولو حصل هذا مسبقًا لما عانينا من تلكم الأزمات، فسوقنا حار جدًا والكل يتمنى أن يبيع ويحقق أرباحًا ويعدونها فرصة وخصوصًا مصانع الأسمنت فأوراقها مكشوفة كونها شركات مساهمة عامة.
إذن فإن إلقاء اللائمة على تجار ومصانع الأسمنت قد لا يكون في محله إلا إذا ثبت انتهاجهم لسياسة التخزين وتجفيف السوق وهنا يأتي دور الجهات التشريعية والرقابية للحد من الممارسات الجشعة التي قد تضر بالأسعار.
وبوجهة نظري أعتقد أن هذا يسحبنا لمجموعة من الحلول التي من شأنها أن توقف تتابع الأزمات ألخصها كالتالي:
1. بناء قاعدة بيانات وربط الجهات الحكومية وقراءة توجهات المستهلكين لحظة بلحظة.
2. تفريغ المسئولين الكبار وخصوصًا الوزراء للتخطيط والتطوير وإبعاد المهام التنفيذية التي تأكل أوقاتهم.
3. تفعيل دور وزارة التخطيط في ربط المؤشرات الإحصائية ونشر الأبحاث التي تتحدث عن تبعات التغيرات الاقتصادية والديموغرافية.
4. تحول السوق والجهات ذات الصلة من سياسة ردود الأفعال إلى سياسة الترتيب والتجهيز والوقاية.
خلاصتي:
إن عدم بناء المعطيات على أسسٍ وتخطيط وتصور إستراتيجي وإشراك القطاع الخاص في الاستعداد لتلبية حاجة السوق هي الأسباب الرئيسة لتوالي الأزمات.
Twitter: @badr_alrajhiwww.badralrajhi.com