حينما ترتحل أيام وفعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية» نسجل في الغالب مشهد الحضور والغياب، وكأن هذه المناسبة قافلة بدو تعبر شرق العاصمة، لتنيخ رحلها في سهل الجنادرية، لكنها لا تلبث إلا أن تلملم متاعها الجميل، ومحتوياتها الأصيلة، لترحل من جديد في جوف الزمن حتى العام المقبل، في رحلة تشبه تجاذب الدلاء والحبال على فوهة بئر قديمة.
فرحيل الجنادرية ونزوحها نحو النسيان بعد أسبوعين من الإقامة بيننا ليس له ما يبرره من وجهة نظر محبي التراث والفنون الذين يتيقنون بأهمية بقائه أمام الناس، فالكبار والصغار يتمنون وينادون على الدوام أن تستمر في الحضور من خلال السوق الشعبي والمقتنيات التراثية والحرفية لكي تحقق أهداف التواصل بين الماضي وعالمه الجميل وبين حاضرنا.
فمن المفيد أن تكون قرية الجنادرية مشرعة أبوابها طوال العام للاستفادة من البنية التحتية الجيدة للقرية، حيث تأسست على أرضها الكثير من المنشآت التراثية التي تحاكي الجانب العمراني لبعض مناطق الوطن، مع أهمية أن يتجدد النشاط الثقافي والحفلات وعروض الفلكلور في كل عام على أرضها في مثل هذه الأيام.
فصفة الاستمرار والتواصل لفعاليات التراث في الجنادرية ولاسيما الحرف سيكون مفيدا للجميع، لأنه سيستقطب كل الحرفيين من مختلف المناطق مما سيهيئ لهم فرص عمل وكسب مناسب طوال العام، على نحو الأعياد والمناسبات الوطنية، ولا بأس أن تتوقف أنشطتها في إجازة الصيف، وتستأنف حضورها مع بداية العام الدراسي لأنها مرتبطة بالأسرة بشكل عام.
كما أن خطوة كهذه ستساعد على تفعيل دور القطاع الخاص من خلال مؤسسة متخصصة ترعى شؤون القرية التراثية وتستثمرها بما يحقق أهدافها المادية ويسهم في حضور التراث وتواصله مع الذائقة، إضافة إلى تعميق الدور السياحي من خلال ضم وتشغيل المزارع المحيطة بها، والعمل على إيجاد مدن ترفيهية وفنادق ومطاعم على طراز قديم لتكتمل في هذا السياق معادلة المتعة والفائدة.
فبقاء القرية الشعبية في الجنادرية شبه مهجورة وأطلالها صامتة حتى العام القادم يثير الشجن بحق، ويبعث الكثير من الأسئلة عن أسباب هذا التمنع في تواصل أنشطة الجنادرية بشكل شبه دائم، ولاسيما وأن العمل الحرفي والتنوع التراثي والإقبال على المشغولات اليدوية، والمأكولات الشعبية هو ما يشجع فكرة تواصل عمل القرية الشعبية ويحقق لها الاستمرار.
hrbda2000@hotmail.com