* من زار (الجنادرية 27) هذا العام، وشهد مهرجانها وفعاليات برنامجها الثقافي العام، سوف تتجدد عنده صورة الأهداف العليا التي رسمها (عبدالله بن عبدالعزيز) حفظه الله قبل سبعة وعشرين عاماً لهذا المهرجان الوطني الجميل، الذي أصبح أكبر مهرجان في الشرق الأوسط، واحتل مكانة سامقة في سلم المهرجانات الدولية، فقد أكدت الصورة
منذ العام الأول، على دلالات قيمية غاية في الأهمية: (دينية واجتماعية وثقافية)، بشكل عام، وسعت إلى الدمج بين ما هو موروث قديم، وبين ما هو منجز حضاري آني، لمد جسور متينة نحو المستقبل الذي نحلم به لوطننا ولحياتنا.
* مؤسسة الحرس الوطني منذ البدء، كانت وفيّة مع رؤية رئيسها وقياداتها في إدارة هذا المهرجان، وكانت وما زالت تعمل على بلورة أهدافه وتجديد طرائقه، والأخذ به من محيطه المحلي، إلى الإقليمية والعالمية، والذين يقولون غير هذا، إنما يعبرون عن جهلهم بما يدور في ربيع كل عام على أرض الجنادرية، والذين يشككون في إيجابيات المهرجان على المملكة وشعبها وتاريخها وثقافتها وحتى سياستها، إنما ينظرون من خرم إبرة لا غير.
* شهدت مهرجانات الجنادرية في أعوام سابقة، وشهدته هذا العام، وما يشدني في الجنادرية ومهرجاناتها، هو عنصر التحديث والتجديد، فالجنادرية ليست مهرجاناً للإبل والفنون الشعبية فحسب كما يظن البعض، ولكنها المهرجان الوطني الذي يعطي العالم صورة شفافة عن ماضينا وحاضرنا وحتى مستقبلنا. إن لكل دول العالم وشعوبها مهرجاناتها الوطنية الجذابة، التي تستمد زخمها من بيئتها وثقافتها، ولنا في هذه البلاد؛ مهرجان تراثي ثقافي واحد هو الجنادرية، فلماذا يسعى بعضنا للتقليل من شأنه، والانتقاص من إنجازاته، وإطلاق التهم الباطلة، والافتراءات الكاذبة، بهدف وأده، وكأنه جرب يخشى من عدواه..!.
* في زيارتي لأرض الجنادرية هذا العام، توقفت بعض الوقت صحبة أصدقاء أفاضل، عند قرية منطقة الباحة، لكن سرعان ما مِلنا إلى قرية منطقة القصيم المجاورة، ولأن فيها من يشدك شداً، ويرغمك على دخول كافة أقسامها، مثل الأستاذ محمد بن سليمان الضالع؛ رئيس وفد القصيم في المهرجان، والأستاذ عبداللطيف بن صالح الوهيبي؛ المشرف على موقع العقيلات، فقد قضينا زمناً ليس بالقصير، نتنقل بين قسم وآخر، حتى شعرنا أننا نتنقل بين مدن القصيم وقراها، ورغم أني لم أعرف القصيم ولا زرتها من قبل، إلا أني شعرت أني رأيتها بكل ما فيها من تاريخ وآثار، وما لها من قديم وجديد، وصناعة وزراعة، وعقيلات ومهرجانات للتمر ولغير التمر. هذه هي واحدة من رسائل مهرجان الجنادرية، أن تنقل السعوديين وغير السعوديين؛ إلى واقع مناطق المملكة، من خلال تمثيل كل منطقة هنا، وقد رأينا كيف أن المناطق الثلاث عشرة، تتسابق وتتنافس في تقديم مأثوراتها وآثارها وفنونها ومنجزاتها الحضارية، وتعرض كذلك رؤاها للمستقبل، وكأنها تطرح كل ذلك للنقاش والاستفتاء عليه، فلماذا ننظر من خرم الإبرة كما قلت، ولا نرى إلا ما نبيته للجنادرية من سوء ظن في طرحها الفكري، وفي مشهدها الثقافي، حتى لا يرى البعض إلا ما صورته له نفسه الأمارة بالسوء، من رقص مزعوم، وسفور معدوم..!.
* ألم ير هذا البعض المهموم بحب المخالفة، كيف أن عنترة بن شداد العبسي، شاعر العرب الشهير، جاء إلى الجنادرية، وانتصب في مدخل قرية القصيم وحده..! وقفنا على صخرته عند المدخل، فقالوا: هذا عنترة..! قلت على الفور: فأين عبلة..؟ فما كان من أحد الظرفاء؛ إلا أن علق قائلاً: وجودها إلى جانبه خلوة منكرة..!.
* قد يكون في هذا الموقف طرفة من وجه ما، لكن عنترة هو الذي يقول في شعره الخالد:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي
حتى يواري جارتي مأواها
* هذه هي أخلاق العرب وقيمهم منذ عصر الجاهلية حتى اليوم، حتى في الجنادرية، لم يكن هناك ما يسيء أو يخدش، إلا أن المعتسفين للاحتساب، أرادوها فتنة، وأرادوها تصفية لحسابات معروفة، وأرادوها بعثاً جديداً لسيرتهم الأولى؛ في التأليب على الحاكم بالتشغيب على المحكوم، وما دروا أن السعوديين فهموا اللعبة منذ سنوات خلت، سنوات (اللكننة)، في محاولة تسويق تبريرات العمليات الإرهابية..! وأن هذه اللعبة لم تعد تعني سوى أصحابها، لأنها منتهية الصلاحية، بانكشاف أمر الصحوة المزعومة، وافتضاح حال الصحويين المجندين لأغراض سياسية بحتة.
* عندما شاهدت صور (الدُّمى الحركية)، وقرأت خطاب الأدمغة المتحجرة والمتكلسة التي تحركها، والتي تعتقد أن عشرات ومئات ممن يتسمون بـ(المحتسبين)، هم أوصياء على عشرين مليون سعودي، وهم في الحقيقة لا يمثلون إلا أنفسهم، لأنهم يعيشون في أزمنة غابرة لا صلة لها بعالم اليوم.. عند ذاك.. ساورني شك في عنترة العبسي، الذي يحضر الجنادرية ممثلاً في صخرته الشهيرة..! لماذا لا يكون عنترة قد غافلنا وخاتلنا، فراح يجتمع بعبلة في خلوة، في ظل صخرته الشهيرة، يطارحها أشعاره، ويبارحها لواعج أشواقه وغرامياته، كما كان يفعل من قبل، وهذا ما تسبب في (غزوة الاحتساب) ضد (الجنادرية 27) ومهرجانها الفكري والثقافي..؟!.
* الأخبار من هناك أتت تباعاً وهي تفيد: أن عنترة بريء من الخلوة، وأن صخرته بريئة من أي منكرات تُذكر. لهذا.. ومع كل موسم للجنادرية.. نقول لهؤلاء وهؤلاء: زوروا قرية منطقة القصيم، لتعرفوا أن عنترة وحده في الجنادرية دون عبلة. لا داعي إذن لهذه الشوشرة المفتعلة.
assahm@maktoob.com - Assahm1900@hotmail.com