في محاضرة للدكتور محمد بن عبد لله الحصيني ألقاها في كلية التربية جامعة الملك سعود تطرق إلى نقطة أعجبتني وأحببت إيصالها لكل من هو مهتم بالتعليم والعلم وكسب العلوم بشتى أطيافها من طلاب ومعلمين وحتى عامة الناس في مجتمعنا، ولم أختارها إلا من باب التحفيز لنيل العلوم والتطلع للرقي من خلال منابع العلوم، ولنحرص أكثر على الرقي بشتى أنواعه لأن العلم هو أساس ترتكز عليه حضارات قامت، وهو عمود تقف عليه أسس تقدم الحضارات.
تطرق إلى رسالة كانت موجهة من جورج الثاني ملك إنجلترا إلى الخليفة الأندلسي هشام الثالثة عندما أرسل ملك إنجلتر ابنة أخيه الأميرة (دوبانت) ورئيس ديوانه على رأس بعثة مكونة من ثماني عشرة فتاة من بنات الأمراء والإشراف إلى إشبيلية، لما كان المسلمين يحكمون الأندلس لدراسة نظام الدولة والحكم وآداب السلوك الإسلامي وكل ما يؤدي إلى تهذيب المرأة.
ولقد أرسل رسالة معها هذا نصها: من جورج الثاني ملك إنجلترا والغال (والغال هي أجزاء من فرنس الحالية) والسويد والنرويج إلى الخليفة ملك المسلمين في مملكة الأندلس صاحب العظمة هشام الثالث الجليل المقام وبعد التعظيم والتوقير فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يسودها الجهل من أربعة أركان ولقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة دوبانت على رأس بعثة من بنات أشراف الإنجليز تتشرف بلثم أهداب العرش والتماس العطف لتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم وحماية الحاشية الكريمة وحدب من اللواتي سيتوافرون على تعليمهن. ولقد أرفقت مع الأميرة الصغيرة هدية متواضعة لمقامكم الجليل أرجو التكرم بقبولها مع التعظيم والحب الخالص.
من خادمكم المطيع جورج ملك إنجلترا
أما جواب الخليفة الأندلسي هشام الثالث فقد كان بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه سيد المرسلين وبعد: إلى ملك إنجلترا وايكوسيا واسكندنافيا الأجل.. أطلعت على التماسكم فوافقت على طلبكم بعد استشارة من يعنيهم الأمر من أرباب الشأن وعليه نعلمكم أنه سوف ينفق على هذه البعثة من بيت مال المسلمين دلالة على مودتنا لشخصكم الملكي. أما هديتكم فقد تلقيتها بسرور زائد وبالمقابل أبعث إليكم بغالي الطنافس الأندلسية وهي من صنع أبنائنا هدية لحضرتكم وفيها المغزى الكافي للتدليل على التفاتتنا ومحبتنا والسلام.
المرسل خليفة رسول الله في ديار الأندلس
هشام الثالث
أي حضارة كنا ننعم بها وأي تقدم كنا نقود به العالم وأي علم كنا نحتويه تسبب في أن يجعل أعين الحضارات الأخرى تتوق لتتعلم ما لدينا، إن مشاعري فاضت وأحسست باهتزاز بدني عند اطلاعي على هذه الرسالة، ومن هذا المنطلق أحببت أن نتأمل جميعا في أن نتعلم من أجل أن يحترمنا الآخرون لا أن يحتقرنا الآخرون بسبب الجهل الذي قال عنه أحد المهتمين وهو ادوارد مورفي العالم الإنجليزي: إذا كنت تعتقد أن التعليم ثمنه باهض.. جرب الجهل قد يكون أقل كلفة.
