طلابنا يملكون جوالات البلاك بيري وأجهزة متطورة للدخول في عالم النت والتواصل، وأبصم بالعشرة أن قرابة مائة بالمائة من طلاب الثانوية يملكون الأجهزة المتطورة والتي يتواصلون بها مع العالم ومن حولهم، ويطلعون على كل شيء وتأتيهم تفاصيل العراك الثقافي والتطفل على أحكام الشريعة وما يدور في كل فلك التداخلات الفكرية، وإن لم تكن عميقة إلا أن غبار ذلك لا يسلمون منه ولم يعد الموضوع محصورا على الدخول للنت عن طريق الحواسب المحمولة.
يسمعون كما نسمع عن مطالبات بتطبيق الحدود الشرعية وغير ذلك، والسؤال: ما موقف المعلمين من هذه التقنية وما مدى التواصل وهل يصل الطلاب صوت الحكمة أم يتركون يمارسون الاطلاع دون توجيه، وربما تلقفهم خطاب ما فأوقعهم في المهالك، خطاب القطيع والتشدد أو القطيع والانفلات.
كرجال لم يبلغوا سن الشيخوخة مررنا بنفس التجربة حيث توفرت لنا وسائل الاتصال والتواصل فيما مضى من سنوات الشباب، وانقسم أقراننا إلى أحزاب، وتلقفتهم عدد من الثقافات، في غفلة من المربين والإعلاميين وربما المسؤولين، وظهرت النتائج في كل طرف، وتمسك من وفقه الله في المحاضن المعتدلة، وسؤالي: ماذا قدمنا؟!
بعض الناس يملك الصوت الشرعي ويحسن ذكر تفاصيله ولكنه لا يملك أسلوبا مميزا في معالجة بعض الظواهر عن طريق الإعلام، وبعض الناس يملك صوتا إعلاميا ويحسن استخدامه ولكنه لا يملك حصانة شرعية ولا يحسن استخدام أدواته في خدمة الشرع، وهناك من هم في خانة القطيع، يظهر ويختفي ومع الخيل يا شقراء.
كل هؤلاء لهم تأثيرهم في مجموع الناس والطلاب هم الفئة الأغلبية والمعلمون هم الفئة الأبرز للتواصل معهم، فماذا أعددنا للمعلم في خطابه التربوي، تجاه ما يسمعه، فهو الآخر يتأثر بما يقرأ وأظن أن هناك ندوات ومحاضرات وفعاليات عن تأثير وسائل الإعلام على المعلم، والتحرك في إطار تحديد الدور التربوي لكل قضية نسمعها ليس هو المقصود، ولكن الخطوط العريضة في مجال التربية والتعليم وطريقة المعالجة التربوية هي ما أقصده.
حينما يسمع الطالب بأن المرتد المستهزئ بالرسول صلى الله عليه وسلم والساب له والمتطاول له لا تقبل توبته، وأنه يقتل أو يعاقب ولا يجد ذلك في مقرره أو في فاعلية تربوية، ويتأثر بما يسمع ويرى بأن ما يقوله المعلم بعيدا عن واقع التطبيق، بكل تأكيد سيقع في حيرة وربما تلقفه خطاب متشدد أو خطاب متهالك متخاذل.
وليست المسألة في الركض وراء كل حادثة لتنقل للطلاب، كلا وحاشا، فليس هذا ما أعنيه، بل هذا ما يجب التحذير منه، وعلى سبيل المثال، تغيرت قيمة دية القتل العمد والقتل الخطأ ولا يزال كتاب الفقه للصف الأول الثانوي يتحدث عن قيمة الدية بتقديرها القديم، وتغيرت أنظمة التأمين على السيارات وربما يطال الطالب أو ولي أمره مشكلة في حادث مروري، ولم ينطلق مشروعا يحذر الطلاب من تبعات ما يمكن أن يحدث وبأساليب تربوية مدروسة جيدا.
التوعية وتغيير المقررات وتجديد الخطاب في الفصول ومشاركة الطالب في تحديد ما يقال له وما يؤطر القضايا، لا يمكن معرفته بالتغافل عن ما يحدث، ولا بترك المعلمين يكابدون مع الفكر دون تحديد المطلوب منهم في كثير من المواقف، بما يضبط الخطوط العريضة وليس بما يجر الطلاب إلى ساحات المعارك الفكرية أو المعارك السلوكية.
تصل الأخبار والتقارير والصور والمغالطات وكل شيء إلى أبنائنا وبناتنا وبضغطة زر عبر أجهزة صغيرة بأقل من حجم اليد، ويحوزنها في جيوبهم، ونحن متأخرون في مدارسنا، فقد جاءت فكرة البلوتوث التربوي وتخطاها الزمن، ثم جاء البلاك بيري، وربما يتعدانا الزمن، ونحن لا نزال نحبوا في مشاريعنا التربوية، وطرقنا وتأثيرنا في توجيه الطلاب وإرشادهم وتربيتهم بحق وصدق وبتناقض مع الواقع أحيانا.
وزارة التربية تسمح باستخدام الآيباد والآي بود، لأنها وفرت الشبكة في كل المدارس، أو تريد أن تسمح بذلك، وسؤالي: هل يكفي جهاز الواير لس لألف طالب أو لمائة طالب أو لأربعين طالبا، وهل تصل الشبكة للدور الثالث في المباني المدرسة، والأسئلة كثيرة... لا نريد مخادعة الطلاب في مثل هذا التصريح، كفانا تناقضا بين الواقع وما نقوله لطلابنا والمعلمين!
كنت اقترحت قبل سنوات توفير خدمات النت للطالب عبر جهازه الخاص وبأسعار مخفضة جدا، ليتواصل مع معله وداخل فصله ومع الجهات الرسمية التي تصنع الفكر بكل دقة وبعيدا عن تناقضات التقاطعات الفكرية والسلوكية والسياسية، ولكن لم يتم استثمار ذلك المقترح «جوال الطالب» فهل نقدم خدمات تربوية مميزة للطلاب أم نترك الموضوع في بريق ولمعان «وفرنا الإنترنت في كل المدارس».