الثورة السورية التي قدمت الكثير من الصور البطولية لصمود أهالي المدن السورية التي تعرضت إلى هجمات وحشية متواصلة، وأظهرت تطابقاً مع ما كنا نشاهده من مواقف بطولية لأهل سورية في المسلسلات الرمضانية، وكيف كان أهل الشام ومدن حوران والجبل وأهل الجزيرة من أبناء دير الزور وأبو كمال والرقة يتصدون للمستعمر الفرنسي والتعسف العثماني، وقد وجدنا تطابقاً في المواقف البطولية لأهل سورية في تصديهم لظلم وإجرام كتائب الأسد، وهذه المواقف التي ساعد التطور الذي تشهده وسائل الاتصال وتنوع أساليب الإعلام الجديد على نقلها لخارج سورية وداخلها ليطلع عليها الجميع ويعرف ما يحصل من أحداث. ومثلما أظهر ثوار سورية مواقف بطولية، فإن «إعلاميو الشعب» من المدونين وصحفيي الجوال، والتويتر واليوتيوب وغيرها من الوسائل كانوا أبطالاً خاطروا بحياتهم لنقل ما يجري في مدنهم للخارج. وبرز في هذا الخصوص الناشط الإعلامي خالد أبو صالح الذي خاطر كثيراً بحياته لينقل لنا الأحداث من مدينة حمص المحاصرة، ومع أنه لم يكن صحفياً ولم يمارس المهنة سابقاً إلا أنه تفوق على الكثير من الصحفيين، وعوض غياب الصحفيين العرب الذين لم يُسمح لهم بدخول سورية، كما أن الصحفيين العرب لا يمكن أن يخاطروا ويتسللوا إلى الأراضي السورية لأنهم بكل بساطة سيكونون مستهدفين، لأنَّ الإعلامي -وكما يقول الأستاذ عبدالرحمن الراشد، وأنا أؤيده في ذلك - «مستهدف بجنسيته وضحيته صيد مطوية من قبل النظام الذي يعتقد أن قتل صحفي عربي أمر رخيص، حيث لم تحتج ولن تنتقم حكومته العربية..!!»
هكذا يقول الأستاذ عبدالرحمن راشد، وهو على حق، ولكن أيضاً لا يمكن أن تقتص دولة من نظام يستهدف الإعلاميين والصحفيين حتى يمنع معرفة ما يقوم به من إجرام، ونظام بشار الأسد واحد من هذه الأنظمة وأكثرهم إجراماً، وهو لا يختلف بل يفوق في إجرامه حلفاءه في موسكو وطهران وبغداد، إذ إن نظام الأسد ينفذ عمليات قتل متعمدة للصحفيين الأجانب الذين غامروا ودخلوا الأراضي السورية، والحصيلة حتى الآن ثلاثة قتلى، صحفي تلفزيوني فرنسي، وصحفية أمريكية تعمل في الصحافة البريطانية، ومصور بريطاني، فيما توفي رابع بنوبة ربو حادة ووفاته يتحملها النظام لأنه منع «رسل الحقيقة» من الوصول إلى مسرح الأحداث.
وسلطات نظام بشار الأسد تخشى عمل الصحفيين وكاميرات الإعلاميين أكثر من الرصاص، لأنَّ ما يسجله هؤلاء الصحفيون وثائق تكشف مدى الجرم وبشاعة ما يقوم به النظام ضد المدنيين الأبرياء، وقد أكد الناشطون الإعلاميون السوريون «الذين عوضوا غياب الإعلام العربي» بنقلهم التقارير المصورة عبر وسائل الإعلام الجديد، أكدوا بأن كتائب الأسد كانت ولا تزال تستهدف قتل الصحفيين بشكل وحشي، وأن قناصة كتائب الأسد يستهدفون حاملي الكاميرات أكثر من استهدافهم حاملي البارود المسلح، ليبدأ تساقط ضحايا الإعلام فقتلت الصحافية الأمريكية ماري كولفن والمصور الفرنسي ريكي أوثيليك في مدينة حمص وبالتحديد في حي بابا عمرو، وقبل ذلك توفي الصحفي الأمريكي أنتوني شديد بنوبة ربو عند الحدود التركية السورية بعد عودته من مهمة صحفية.
هؤلاء الصحفيون الذين نذروا حياتهم لرسالتهم الصحفية من خلال القيام بأعمال في غاية البطولة، فأنتوني شديد كان له حضور صحفي طاغ في العراق وفلسطين ولبنان وليبيا قبل أن يختتم حياته في سورية، وماري كولفن النيويوركية التي تركت صخب الحياة في نيويورك لتلاحق الأحداث في سيرلانكا والعراق وليبيا لتودع الحياة في سورية، مثلها مثل النشاط الإعلامي السوري رامي السيد الذي وثق عبر كاميرته جرائم كتائب الأسد في حي بابا عمرو رغم إمكاناته البسيطة ورغم الحصار الجائر لنظام الأسد.
هذه هي ضريبة العمل الصحفي المقنع الذي يستحق أن نطلق على من يقوم به بـ»رسل الحقيقة» الذين ينقلون لنا ما يجري لنعرف ما يحدث حتى وإن دفعوا ثمن ذلك حياتهم، وقد دفعوا هذا الثمن الذي لا يعوض.
jaser@al-jazirah.com.sa