التقاعد المبكر ظاهرة تفشَّت بين أوساط المعلمين والمعلمات رغم قلة خدمتهم. وحقيقة مثل هذه الظاهرة لها أسباب كثيرة أجبرت هؤلاء على الرحيل، فبعد أن كانت الأعداد لا تتجاوز أصابع اليدين مكملين للأربعين سنة، أصبحنا نراها بكثرة وهم لم يصلوا نصف هذه الخدمة، ومن يصدق بأن نسبة التقاعد بين المعلمين والمعلمات كبيرة تصل إلى الآلاف في جميع المناطق بعد أن طفح بهم الكيل ولم يعد لهم في هذه المهنة أي رغبة بعد أن أصابهم الملل. والأسباب كثيرة، لعلّي أذكر بعضاً منها، متمنياً أن يجد مقالي آذاناً صاغية ويكون له صدى وتأثير ونجد نتيجته انتباه الوزارة للمعلمين والمعلمات بإعطائهم حقوقهم كاملة، ورفع مكانتهم التي فقدوها -وللأسف الشديد- بسبب تجاهل وزارة التربية والتعليم لهم تعاملاً وقرارات لا تنصب في مصلحتهم ولا في مصلحة تعليم أبنائنا، ولا شك بأن المعلمين والمعلمات لو وجدوا جميعاً الجو المناسب والتعامل الحسن من الوزارة ما تركوا التعليم ولا ازداد حماسهم له ورغبتهم فيه، ولكن حينما يجدون من الجهة المعنية بأمرهم اللامبالاة بشؤونهم وما يحتاجون ويكون حالهم حال غيرهم فيبدؤون بالتدريس وينتهون وهم لم يخرجوا من الوزارة بشيء يدل على تقديرها لهم فلا حوافز ولا تكريم ولا تقدير رغم أن كل واحد منهم بهذا جدير. وهنا يصابون بالاحباط عندما لا يجدون من يقدر جهدهم وما يقومون به من أعمال تعليمية. صحيح أن عملهم هذا يأخذون عليه أجراً ويرجون بعملهم ثواب الله وتحمل الأمانة -نحسبهم كذلك والله حسيبهم- لكن لابد من شكر الناس على حسن صنيعهم، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، وهذا منهج النبي صلى الله عليه وسلم وما دلنا عليه، ومن واجب الوزارة تجاههم تقديرهم والاهتمام بهم، وهذا ما لم يتم ولم نره من وزارتنا الموقرة -مع احترامي للمسؤولين فيها- حتى بعد تقاعده، كما أن مكافأة الأشهر الثلاثة التي يأخذها مع نهاية الخدمة تم إيقافها وحرمان المعلم منها! وكيف تريد الوزارة من المعلم والمعلمة الاستمرار في التعليم وهي تُحمِّل كل منهما فوق عاتقه ما لا يطيق من قرارات ومناهج وحصص كثيرة تتعدى العشرين في الأسبوع الواحد، إضافة إلى ما يقومان به من أعمال داخل المدرسة وأنشطة كثيرة يشاركان فيها. إنني أتمنى من الوزارة أن تنظر بعين ثاقبة لمعاناة الكثير من المعلمين وتدرس بجدية سبب تقاعد الكثير منهم، وإن كان معروفاً، وتعيد النظر في كثير من القرارات التي فيها بس لحقوق شريحة من المجتمع لها مكانتها الكبيرة عند كل الفئات إن لم تكن الأولى بين الفئات فهم أصحاب الفضل بعد الله علينا، وسبب رئيس فيما وصلنا إليه من تقدم بتعليمهم لنا وبتوجهاتهم السامية التي استفاد منها جمع غفير من البشر، جزاهم الله عنا خير الجزاء. فهل تتدارك الوزارة هذا الأمر وتعمل على إعادة هيبة المعلمين والمعلمات وتعطي كل ذي حق أحقه؟! أتمنى من كل قلبي ذلك ونحن في انتظاره في القريب العاجل. والله أسأل للجميع التوفيق والسداد.