مما يغيب عن الأذهان كثيراً أن الغنى الحقيقي ليس بالشيء إنما هو بالغنى عنه.
ولقد جلَّى هذه الحقيقة رسول الله» حين قال: «ليس الغنى عن كثرة العرض، وإنما الغنى غنى القلب».
وجاء في حكمة ديوجينيس الكلبي اليوناني: «ليس الغنى بكثرة ما نملك، إنما الغنى بكثرة ما نستغني عنه».
والحقيقة الماثلة للعيان تؤكد ذلك؛ فكلما كثر ترفُ الإنسان، وزادت حاجياته - عظم تعلقه بها، وعز عليه فراقها، أو الاستغناء عنها؛ فصار كالأسير لها.
وإذا تخفف من القيود التي ترزح تحت نفسه قل عناؤه، وتوطن على القليل مما يعيش به، سواء كان ذلك في شأن المركوب، أو الملبوس، أو المطعوم، أو المشموم.
أو كان في شأن الوجاهات، أو الصداقات، أو العلاقات، أو الجلسات، أو الزيارات.
فكلما زاد استغناء الإنسان، وتوفر على أقل القليل من ذلك زادت حريته، وعظمت سعادته.
بل لقد عدَّ من قبيل السخاء سخاوة الإنسان عما في أيدي الناس؛ فإن هو كف عما في أيديهم، وتكرم في الإحسان إليهم فقد استكمل السخاء وإذا توطَّن الإنسان على ترك التطلع إلى ما لا سبيل له إليه، أو لا حاجه له به اطمأن قلبه، ولم تذهب نفسه حسرات.
ولقد أحسن محمود الوراق في تجلية هذا المعنى حين قال:
وإذا غلا شـيءٌ عليَّ تركتُه
فيكون أرخصَ ما يكون إذا غلا
وما من ريب أن أعظم الاستغناء استغناء الإنسان عما حرمه ربه عليه، وذلك بفطم نفسه عن جميع ما لا يحل له؛ فذلك هو العز الحقيقي، والشرف العالي.
وبناءً على ذلك فإنه ينبغي -كما يقول الرافعي- ألا تقدر ثروات الإنسان بأمواله ومُسْتَغلاَّته، بل بعدد الأشياء التي يستطيع أن يعيش غير محتاج إليها.
* جامعة القصيم