ضوء شفيف تسلل من إطار الستارة المثبتة أعلى النافذة. مستلقية على ظهرها تحدق في المروحة التي تبادلها حديثا رتيبا. يهاجم رأسها سيل من الأفكار اعتادت استقباله صباحَ كلّ يوم. بالكاد تستطيع رؤية الحروف المتناثرة أمامها. فرغت من قراءة مقال ينتقد توجها معارضا لعمل المرأة (كاشيرة). وضعت الجريدة جانبا وواصلت التحديق في المروحة. حديث بين ثابت ينشد الحركة ومتحرك يتشوف للحظة توقف. متجردة من بدهيّة دوران الأرض حول نفسها, تدخل في دوامة توحد مع موجة معلقة بالسقف.
تبذل جهداً مضاعفاً لصد محاولات حثيثة لغزو وشيك للنوم. تكفيها خمس ساعات قضت معظمها في تصيد حلم شارد.
تهرب بالتفاتة خاطفة إلى التسريحة التي تتوسط الحجرة. تنظر إلى الملف الأخضر وقد ألقى تحية الصباح على رفيق المساء. كشكول وردي أنيق ستلتقطه أختها بعد ساعة من الآن, لمتابعة الركض في سنتها الجامعية الأخيرة. الدقائق تمر بطيئة في اتحادها الإجباري مع المروحة. تحت مخدتها تحتفظ بورقة كتبتها بعناية وتنسيق مجدول وملون عن عدد وتواريخ وأماكن تنقلات ملفاتها الخضر من التسريحة إلى قبور التسول.
رحلة تتجدد في كل مرة تقرأ إعلانا هنا أو خبرا هناك، أو حتى استجابة لإشاعة تطلقها إحدى زميلات الدفعة لترد على (مقلب) سابق ... خمس سنوات وهن يمارسن هذا النوع من العزاء لموت موسمي...
قبل النوم وفي كل ليلة، تشاركها أختها كتابة رواية خيال علمي تنتهي دائما بضغطة زر لوقف هذا الموت الموسمي أو الظفر بفارس نبيل.
ولتخفيف حدة الخيال، تحرص أختها أن تضع كشكولها بجوار المساحة الخضراء من عمرها.
قبل عام، عاهدت نفسها أن تكون هذه النسخة من الملف هي الأخيرة، ليكون شاهدا على العصر. لكنها تنقض عهدها كلما قرأت إعلانًا تدلّى من جبين والدها.
جازان