في ظل ثورة الاتصالات والمعلومات والفضائيات المتعددة التي حوَّلت العالم إلى قرية صغيرة.. أصبح الإعلامُ لاعباً محورياً في التأثير على مجمل النواحي الحياتية للبشر ومنها الناحية السياسية.. والانتشار المذهل لشبكة المعلومات الدولية ساعد في دفع عجلة الأحداث المحلية لأي دولة من دول العالم إلى دائرة الاهتمام العالمي وإلى جذب الأحداث العالمية إلى بؤرة الاهتمام المحلي.. فما يحدث في أي بقعة من العالم يراه بقيةُ العالم في نفس اللحظة التي يشتعلُ فيها الحدث.
ثورة التكنولوجيا المعلوماتية غيَّرت صورة العالم.. وكسرت حواجزَ الزمان والمكان.. ورغم أن بعض الأنظمة الاستبدادية حاصرت هذه الثورة.. وضيَّقت على انسيابها إلى حياة شعوبها خوفاً من انفلات الأمر من قبضتهم.. إلا أن انتشارها أصبح أمراً حتمياً لا مفرَّ منه.
في عصرنا الحالي عصر العولمة والثورة المعلوماتية.. كان للإعلام الدولي دور كبير في التأثير على مجريات التفاعلات والتحولات السياسية واستطاع أن يُمسِك بدفتها ويحركها ويوجهها ضمن مساراتٍ مَكَّنتْ الكثير من زعماء السياسة العالمية من توظيفها لخدمة توجهاتِهم وأهدافِهم المختلفة.
إذن ثمة علاقة وطيدة ما بين الإعلام والسياسة بلغت مستوياتٍ متقدمة من التداخل والتشابك وصل إلى حد ارتباط المصالح وبالتالي فما تلعبه هذه العلاقة المطردة من أدوار مزدوجة في صناعة الأحداث.. عزَّزَ قناعة الرأي العام بمدى متانتها.. ففي وسط أتون الأزمات السياسية والصراعات الدولية.. تبدأ وسائل الإعلام بمختلف أنماطها وأشكالها بإدارة المعارك في حلبة الصراعات السياسية ويباشر أباطرة السياسة الإعلامية بالتحوير والتضليل وبالتالي صناعة سيناريوهات الأحداث بما يخدم المصالح ويوافق التوجهات.
التحالف بين السياسة والإعلام سلب الأخيرة رسالة الاستقلال والموضوعية والثبات والحيادية التي عرفتها الجماهيرُ عنها وأصبحت خاضعة لعوامل التقلب والتذبذب التي تطرأ على وجه السياسات الدولية حسب متغيرات الأحداث وأصبح الأثر الذي يلعبه دور الإعلام في سياسة الأنظمة الدولية واضحاً وجلياً.
لقد أدركت هذه الأنظمة أهمية الإعلام السياسي فكرَّسته لخدمة أهدافِها وإستراتيجياتها.. واستخدمته سلاحاً فكان أكثرَ فعالية وتأثيراً من اللجوء إلى القوة العسكرية لما يملكه من وسائل تعتمد على أساليب الخديعة والتضليل.. وضخ التشويش وتعمية الحقائق بصورة تُظهر الأحداث أمام الرأي العام وكأنها الحقيقة بعينها وتظل الجماهير المستهلكة للمادة الإعلامية السياسية ضحية لمؤثرات بعض هذه الوسائل المسخرة لتزييف الحقائق وتمييع مضامين الواقع.
التنامي في طبيعة العلاقة بين الإعلام والسياسة يكشف مدى أبعاد المخططات الإستراتيجية وانبثاقاتها المتعددة على مختلف الأصعدة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.. وبالتالي فما تبثُه بعض وسائل الإعلام الماهرة في فن الترويج والإقناع بعد تعتيم الحقائق.. ثم مدى قدرتها في تطويع ما تقدمه وفق مصالح أي منظومة دولية تتلون سياساتُها حسب ما تراه مناسباً لأهدافها وخططها ما هو إلا استهداف واضح لخطف وإخضاع الرأي العام لتوجهاتها.
لقد بات الوصولُ إلى الحقيقة أمراً صعباً في عالمٍ صاخب يطفحُ كيلاً من الشبهات والمؤامرات السياسية التي سرعان ما تتلقفُها أذرعة الأخطبوط الإعلامي وتسوقها وجبات مسمومة للشعوبِ عامة.. وأباطرة الإعلام السياسي لا يألون جهداً من تغليف الأهداف السياسية لأنظمتهم بما يتماشى ويتماهى مع رؤيتهم وتوجههم.. حتى أنهم تمكنوا وببراعة لا مثيل لها من دغدغة مكامن الضعف والنقص عند كثير من الشعوب.. وإزاء ذلك نجحت هذه الأنظمة في تغذية نفوذها الإقليمي والدولي خارج حدودها.
الأحداثُ والوقائع والحروبُ السياسية بشكل عام... فرَّغَتْ الإعلام من مضامينه الأساسية التي أُسس عليها كمنظومة قيم اتصالية تتمتع بالاستقلالية والأمانة والحياد.. لقد أصبح الإعلامُ العالمي بصورته ونمطه الحالي مرهوناً بالأجندة السياسية فلا غرابة أن يمارس تأثيره في إدارة الأزمات.. ولا غرابة أن يحشدَ زخماً من حقائق مزيفة.. وفبركات ملونة لوقائع وأحداث تترى على الساحة بشكل متسارع بدءاً من الصورة النمطية المعتادة لأي سياسة مروراً بالمجال الاقتصادي وانتهاءً بإثارة الفتن والقلاقل وإرباك الشعوب.