تناولنا كثيراً محدودية الأماكن الترفيهية المخصصة للعوائل، وتذمرنا أكثر من قلة المناسبات العامة والثقافية التي تجمع العائلة لو كل أسبوع في الشهر! وانتقدنا أيضاً عدم تقبل فئة الشباب وخاصة المراهقين وحضورهم في الأماكن العامة وبالذات في المراكز التجارية حيث يتم طردهم علناً واستهجان حضورهم بدون عائلاتهم! وعانينا من قلة الفعاليات المدروسة في مناسبات العيد والتي لا تجمع العائلة حتى في أيام الأعياد بل تفرقهم ما بين شرق الرياض وغربها! وكل هذا بهدف الحد من الاختلاط حتى في أيام الفرح الوطني! لكن جاءت مناسبة الجنادرية بقوة حضورها الوطني لتثبت حاجة العائلة السعودية للفرح بأنواعه، وحاجتها للفرح المشترك بين أفرادها. فكانت مناسبة الجنادرية هي المناسبة الأقوى لتفعيل الفرح العائلي للسعوديين بخلاف برامج مناسبات الأعياد التي تشتمل أغلب فعالياتها على تشتيت العائلة! وكانت تجربة الأيام العائلية تجربة مميزة في سجل مهرجان الجنادرية، وسابقة تاريخية للقائمين على تنظيم المهرجان، لأنها ساهمت في معالجة مفاهيم خاطئة، ومخاوف مبالغ فيها تجاه التجمعات العائلية ومحاذيرها التي لم نعان من تضخيمها إلا في السنوات الأخيرة! فالتطورات الملحوظة فيما يقدمه المهرجان كل عام، والإحساس بالفرح الوطني دفع بالأغلبية للمطالبة بتمديد أيام المهرجان لكي يستمتع الكل بمناسباته وفعالياته المميزة، وساهم في التقاء الكثير من الجنسيات في مكان واحد، وأعطى فرصا كبيرة للاستمتاع بالفنون الشعبية باختلاف مناطقها، وفتح المجال للاستثمار للأسر المنتجة والمحتاجة، وكان بشهادة الكل متنفساً لطاقات مخزونة لدى الشباب عندما اندفعوا بتعطش ملحوظ للمشاركة مع الفرق الشعبية بالرقص والأهازيج كل حسب منطقته! فكان هذا هو الجمال الحقيقي لمعايشة الفرح بالمناسبات الوطنية الشعبية، عندما يتجه كل زائر لجناح منطقته التي قد رحل عنها من سنوات ويتعرف على تراث أجداده، ويتعرف على تطور منطقته. ويشارك في فنونها الشعبية لساعات بسيطة ليعود مع عائلته فرحاً برحلة وطنية مميزة. ولقد تعايشت شخصياً مع تميز مهرجان جنادرية 27، ولم نعان كعائلة من تلك الكثافة البشرية الزائرة وذلك لروعة التنظيم وانتشار رجال الأمن في كل زاوية وتفهمهم لحماس الشباب في أغلب الأجنحة، وكان وجود منسوبي هيئة الأمر بالمعروف والمنكر هادئاً ومريحاً. لذلك فالمحاذير من وجود العائلة في مكان واحد لدى فئة أعطتلنفسها حق مراقبة الخلق والتدخل في شؤونهم الخاصة، دعمّت النظرة السلبية للمرأة وعدم احترام وجودها في الأماكن العامة بغض النظر عن هيئتها الخارجية! وساهمت أيضاً في سيطرة نظرات الريبة والتشكك بين الناس وبعضهم بعضا! وهذا ما نلاحظه للأسف الشديد في الأماكن العامة وانشغال الكثير في مراقبة الآخرين والتلصص عليهم بنظراتهم الثاقبة! وافتقادهم لمشاعر الفرح العائلي حتى في المناسبات الوطنية!
moudy_z@hotmail.com