لوحات الجمال والإبداع تحلق في كل مكان تزهو برواقها المتميز من شاعرية وإحساس وتعايش دافئ مع العالم الآخر، عالم الأفق البعيد. يقول محمود درويش:
(حين أحدق فيك أرى كربلاء ويوتوبيا والطفولة، وأقرأ لائحة الأنبياء وسفر الرضا والرذيلة، أرى الأرض تلعب فوق رمال السماء، أرى سببًا لاختطاف المساء من البحر والشرفات البخيلة..).
هي اللوحة التشكيلية تقودك إلى عالم آخر، عالم جرده الفنان من واقعيته، مستوحيًا من ذاته الآخر واقعًا آخر.
إن الفن واللوحة بيقيني مبدأ وقيم تنم عن رقي وإبداع ينقلنا من المرئي المحسوس إلى حلم يوقظنا بحلم آخر الذي احتكما به الوعي واللاوعي إلى كينونة الإنسان.
ومن بين أنامل الفنان نبتت لوحة قرمزية يانعة، كأنها فتاة في اكتمال القمر، تروي لنا حكايات قرطبة، كيف كان ذلك الشعب منتجًا متعلمًا معلمًا لأسس الحياة، كان يرتشف الفلسفة مع قهوة الصباح، ويحتسي الحكمة مع غروب الشمس، وفي المساء يتخاصم مع القمر فيصلح بينهما الفن.
هي الأندلس فكر بنيت على أسسه الحضارات، فأصبحت منارة ومنبعًا يستقي منه ذوو الألباب، يجدون غايتهم ومبتغاهم، هاربين من ديارهم التي عاشت بين الظلمات، باحثين عن العلم والأدب والفنون بشتى الطرقات، يتسامرون ويتباحثون في أمر خالقهم، ويقول لهم الفن: الجهل قد مات، وامتزج الفن بالرياضيات، فكان إبداعًا لا متناهيًا. تتراءى لنا على جدران قصر الحمراء الذي طوع الأسود بخرير ماء وبعفة الغزل، يتغنى الشعراء وتتم فتاة اللوحة حكايتها ببكاء, بعد الازدهار بين الأزهار والعلو فوق الأشجار أتت أشباح السوافي لتسحق كل جميل، وتستبدل بالألوان النيران، وتصبح المكتبات معتقلات، تبًّا لحكام تلك الحقبة! طغت على نفوسهم الشهوات، وتركوا حال الأمة تزهق، والأرض تغتصب بالغزوات.. ويرثيهم أبو البقاء الرندي قائلاً:
لكل شيء إذا ما تم نقصان
فلا يغر بطيب العيش إنسانُ
هي الأمور كما شاهدتها دول
من سرَّهُ زَمنٌ ساءته أزمانُ
وهذه الدار لا تُبقي على أحد
ولا يدوم على حال لها شانُ
يُمزق الدهرُ حتماً كلّ سابغة
إذا نبت مشرفيات وخرصانُ
وينتضي كل سيف للفناء ولو
كان ابن ذي يزنٍ والغمد غمدانُ
أين الملوك ذوي التيجان من يمن
وأين منهم أكاليلٌ وتيجانُ؟
jalal1973@hotmail.com