يقال إن من يرفع صوته عالياً هو ممن يفتقد الحجة والمنطق، وحتماً سيهزم أمام حجة الآخر ومنطقه، ومن يعيث فساداً وقتلاً في شعبه، فهو لا يملك أيضاً أسلوباً ولا طريقة في الحكم تؤهله لأن يرضى عنه شعبه، أو يؤمن بقدرته على تحقيق العدالة والحرية له، بل إن من يزداد طغياناً وفتكاً، هو كمن يسير إلى حافة الهاوية، وكأنما ازدياد القمع والتخبط لدى هذه الشخصيات هو وسيلة اعتراف حقيقي بالعجز عن إدارة هذه البلاد أو تلك.
هكذا هو النظام السوري، يسير بشكل حثيث إلى الهاوية، كلما شعر بانقلاب الطاولة أرخى جحيم نيرانه على شعبه، كأنما هو شخص تكاثر عليه الناس وأصبح كل واحد يصفعه من جهة مباغتة، حتى أصيب بهستيريا مخيفة، فلا أحد يستطيع أن يتوقع ما الذي سيحدث خلال الأيام القليلة القادمة، لا أحد يدرك حجم الدمار المنتظر، ولا أحد يستطيع التكهن بحجم الكارثة.
أصدقاء سوريون كثر، يطلبون مني أن أنقل ما يحدث في سوريا، وأن ما تنقله وسائل الإعلام المرئي هو أقل مما يحدث بكثير، ومع ذلك تعرضت القنوات الفضائية إلى الحجب، وطرد الصحافيون من مختلف أنحاء العالم، وقطعت وسائل الاتصال الهاتفية، وكذلك خدمات الإنترنت، وهرب السفراء من سوريا، وطرد سفراء النظام من معظم أنحاء العالم، فما الذي تبقى من وسائل وطرق عزل هذا النظام؟
كل ما يخشاه العالم، والسوريون على وجه الخصوص، هو أن يتهور النظام أكثر مما هو فاعل، ويبدأ رحلة الانتقام الإجرامي، بارتكاب مجازر على مستوى مدن سوريا وقراها، كأن يعيد الابن ما فعله أبوه في الثمانينيات من مجزرة، وتتكرر المذابح، كمن يهرب ويحرق وهو يشعر أن ما خلفه هو الطوفان!
أليس هذا هو أسلوب الدكتاتوريين، ألم يفعل صدام حسين مثل ذلك، حينما اضطر إلى الخروج من الكويت، فقام بحرق آبار النفط هناك، حتى أصاب البيئة ما أصابها، ولم تزل دول الخليج والمنطقة الشرقية، وكل المناطق المحاذية للخليج، تعاني من ويلات هذه الحرائق، وتدمير البيئة المرعب؟
هكذا يمكن أن يفعل النظام في سوريا، ويدمر ليس البيئة فحسب، بل يقوم بدك القرى والمدن بأكملها على من فيها، وكلنا تابعنا كيف أبيدت عائلات، وأسقطت بيوت على من فيها، والخوف يكبر من احتمال توسيع نطاق التدمير والقتل الجماعي، فضلاً عما يحدث في المعتقلات من ذبح جماعي مخيف، إلى حد أن أصبح كل السوريين يدركون أن فقدان أحدهم أو اختطافه هو موت محقق لا محالة.
حمى الله أهل سوريا، أطفالها وكهولها من شر الميتة، ومن قتل غادر، ومن إزهاق أرواح شبابها أمام الأمهات والآباء، فلا يحرق قلب المرء أكثر من موت فلذة كبده أمامه!