في الأخبار الواردة من سوريا، أن النظام السوري يدعو كافة الشعب إلى التصويت على الدستور الجديد للدولة، والمقرر أن يتم هذا في يوم 26 فبراير. مع هذه الدعوة أجد دعوات أخرى من المعارضة لمقاطعة التصويت. ومن يعرف آلية تجريم من يعصي أمراً هناك أن مصيره إلى الهلاك، كما حدث مع طالبات وطلاب المدارس، فقبل عدة أشهر أتابع برنامجاً على إحدى القنوات السورية حول انتظام المدارس وتقديم الشكر لإدارات هذه المدارس التي ساعدت في إتمام العملية الدراسية. لفت نظري هذا الشكر «المتكلف» فتتبعت الأمر وعلمت من مصادر -ثقة- أن من يتغيب عن الدراسة بسبب الأحداث المرعبة والمجازر التي تملأ الشوارع، فإن إدارات المدارس تقوم بالتبليغ عنه، فيتجه «الشبيحة» إلى منزل المتغيبة، ويجزرون الأسرة بكاملها أطفالها قبل كبارها!
لذا وبلا أدنى شك، أن الشعب السوري سيخرج للتصويت «مرغماً أخاك لا بطل» ومن الآن أتخيل صور الإعلام السوري واللقاءات العشوائية التي سيجريها على هامش هذا الحدث الذي جاء متأخراً جداً، جاء بعد فوات الأوان. وفي اعتقادي وبعد أن أظهرت الأزمة السورية معدن -الأسد الصغير- وكشفت للعالم كله حقيقة دمويته التي لا تختلف عن أسلافه، فإن هذا الحدث لو كان قبل سنوات فلن يغير شيئاً داخل كيان سياسي قائم على عقلية «الشبيحة». ولو نظرنا إلى التغييرات التي تم إحداثها على الدستور السوري الجديد، ومن أبرزها: المادة الثامنة، وتغييرها من كون حزب البعث هو قائد المجتمع والدولة، إلى قيام النظام السياسي على التعددية السياسية وأن ممارسة السلطة تتم ديموقراطياً عبر الاقتراع. في الحقيقة، بمجرد أن أرى هذه الفقرة وجماليتها في تطبيقها إلا أن الأكيد وحسب المعطيات أن تطبيقها عصي على النظام الأسدي، هذا لو فرضنا أن مثل هذا التغيير تم قبل سنوات وليس الآن -لأن الأسد انتهى وأيام بقائه في العد التنازلي حسب قراءتي للأحداث- فما ورد في هذه الفقرة يحتاج إلى إيمان بما تتضمن من معاني قبل أن تكون عبارة إنشائية، في بلد مكون من خليط عرقي وديني ومذهبي، تم إلغاء كل ما فيه إلا «البعث» ولا ينجو من جرائم النظام وشبيحته إلا الموالي أو على الأقل من يقوم بالتظاهر شكليا بالموالاة، وقد كتم في نفسه حرقته على وطنه وشعبه وأرضه.
ولو تم إقرار هذه المادة بشكلها الجديد من الدستور قبل خمس سنوات، فهل كانت ستُطبق فعلياً، أم أن صناديق الاقتراع التي تصل فيها نسبة التصويت لفخامة الرئيس إلى 99.99% أما من سيتجرأ ويخرج بحق ويرشح نفسه فبعد أن ينتهي يوم الانتخابات الموعود، فمصيره إلى النهاية، وما حدث في دول عربية في سنوات سابقة دليل على الديموقراطية الشكلية، والتلاعب بالأشكال السياسية واليد القاسية.
النظام السوري لا زال مصراً على اللعب في الوقت الضائع الذي لن يكفيه على تعويض الهزيمة، وأقول له باللهجة السورية: «لا تغيير بينفع ولا دستور بيفيد».. ولا زلت أكرر ما ذكرته في مقالات سابقة أن المجلس الوطني في حال كان أكثر تنظيماً لزلف الوقت الذي يمضي لمزيد من إراقة دماء الضحايا.
www.salmogren.net