لم أكن أرتجف برداً، بل أشعر بأني أهنأ (بدفء لا وصف له) كما هو عنوان قصيدة أو كتابٍ جميل قرأته يوماً، لكن لا يحضرني الآن.
إنه الشتاء، فصلٌ أحبه وأنا هنا في بلدة صغيرة نائية عن وطني قريبة من قلبي وإحساسي.. ألفتها وألفتني.
قررت أن أكتب.. وهو الشتاء، فصلٌ جميلٌ أثير لدي لكن ليله طويل جداً هنا ونهاره قصير.. حين أجلس إلى كتابتي في هذه المساحة الصغيرة التي تحتويني فقط يداعب النعاس أجفاني وأنا وحيدة ولو كان معي شخص واحد في تلك اللحظة لشغلتنا الحكايات والأحاديث طاردة بكل صلف الأفكار المميزة والكلمات العذبة أو المريرة.. لذا قررت الذهاب إلى مكتبة الجامعة..
غريب أمر هذا الكاتب.. أجواؤه، مسيرته، طقوسه، ما الذي يحرضه وما الذي يوقفه؟! كلها تدعو إلى التفكير..!
يريد هدوءاً شديداً لأجل مزيد من التفكير ولو زاد هذا الهدوء عن حدِّه لكان باعثاً على الاكتئاب والإحساس باللاجدوى تجاه كافة الأشياء حوله!
ألزم نفسي بوقت محدد ثم أجلس إليها، لكن ورغماً عني أتهرب هنا وهناك عن موعدي مدفوعة بمشاعر لا واعية!
مرة من خلال متابعة التلفزيون ومرة بالدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك أو التويتر) اللذين يستنزفان الوقت بشكل عجيب.. حين أنوي الكتابة أحاول تأمين جو هادئ بعيداً عن كل ما يمكن أن يؤثر سلباً على انسياب أفكاري وتلك اللذة التي أجدها لحظات خلوتي بي (أقصد بنفسي)، لا أحب البقاء بجانب (الكمبيوتر) الشخصي؛ إذ إن مجرد وجودي بجانبه يعني جولة لابد منها هنا وهناك كما أسلفت ومن ثم البريد الإلكتروني حيث أملك أربعة عناوين بما فيها إيميل الجامعة، هذا عدا (برنامج السكايبي والمسنجر إضافة إلى البلاك بيري الذي يتضمن الرسائل العادية علاوة على الشّات الخاص به إضافة إلى الواتس أب)!!
ياللضجيج والدوار! لابد لي أن أتخلص من ذلك كله والتشبث بالخيط الأول لضوء الكتابة..
ألوذ بمكتبة الجامعة.. أدخل غرفة القراءة الصامتة.. هنا موقعي المفضل، حيث المكان مهيأ للعمل المكتبي الجاد ولأن جميع من حولي منهمكون بكتابة أو قراءة ما.. لا شيء سوى صوت الهمسات أو تقليب الأوراق.. حولك أناس لكنك ممنوع من تبادل الحوار معهم وهذا هو الوضع المريح للسيدة كتابة وللآنسة فكرة..
ألفت الكتابة ولعلها تبادلني المشاعر ذاتها، وإذا ما ابتعدت عنها فإذا هي تلك الأم الحانية التي تغدق الحب وتعاقب بقسوة، تدير ظهرها، تعرض عني، فأخاتلها وأهادنها، أناجيها.. أناغيها، أستعطفها حتى تقبل إليّ ولا أمتنع أبداً عن استعبادها لي، لحظة الكتابة.. حتى أستعيد أناقتي، بصيرتي وألق روحي.