يقول خبر مفاده اللواء سليمان العجلان بأن إحصائيات عام 2010 تقول بأن قتلى الحوادث بلغ 7153 قتيلاً، بينما كان الجرحى في حدود 39 ألف جريح، أي أنه يموت بسبب الحوادث 20 قتيلاً يومياً، بينما المعدل اليومي للحوادث أكثر من مائة مصاب، ولا يخفى عليكم أن بين هؤلاء من يُصاب بشلل رباعي، وبينهم من يعاني من إصابة مزمنة، و... و... إلخ.
ورغم أنني لدي أسئلة بشأن هذه الإحصائية ولماذا لم تظهر إلا بعد مرور أكثر من عام عليها، إلا أنني سأؤجل ذلك إلى نهاية المقال، فأمر الموت اليومي الرهيب هو الأجدر بالنقاش، فهو أمر محزن، وأكاد أتحدى أن يكون بين القراء من لم يمت له قريب من الدرجة الأولى أو الثانية، في حادث مروري خلال حياته، إذ إن قتلى الحوادث حزنت لهم معظم بيوتنا، فما الحل؟ أظن أنه لا يكفي أن يصرح اللواء بأن ثمة تهوراً في القيادة، كلنا نعرف أنه لولا التهور والسرعة الجنونية ومخالفة قواعد المرور لما حدثت هذه المجازر اليومية في شوارعنا، لكن لماذا يحدث ذلك؟ هذا هو السؤال الذي يحتاج إلى إجابة وبحث وتقصٍ لمعالجة الأمر.
الزميل الصحفي عبد الله الكعيد، وقد عمل في هذا المجال، وله اهتمامات بالسلامة المرورية، قد أشار كثيراً بإدخال التربية المرورية ضمن مقررات الدراسة في المراحل المتوسطة والثانوية، وهو أمر يجب التعامل معه باهتمام، لأنني أرى أن الأمر مرتبط بمراحل الطفولة المبكرة، كيف نُعلّم أولادنا احترام الآخرين، من حقهم في الخدمة، إلى حقهم في العبور بمركباتهم، فمن يريد أن يكتشف ذهنية معظم أفراد الشعب السعودي، كيف يتصرف، وكيف يتعامل مع الآخرين، يقف أمام شخص مقدّم خدمة، أمام بائع مثلاً، فلا يمكن أن تجد من يحترم حقك في الأولوية أبداً، بأنك جئت قبله، ومن الطبيعي أن تحصل على الخدمة قبله حسب دورك، بل أحياناً تجد من يقاطعك ويخطف انتباه البائع حتى لو كنت تتحدث معه فعلاً، هذا الإنسان الذي يزاحمك، ويحاول أن يزيحك بقوة من أمامه، وبكل تهور ورعونة، وهذا الشخص هو بالضبط الذي يقود المركبة، ويعاندك في الطرقات، يقطع عليك الطريق كاللصوص قديماً، ويجبرك على أن تنحرف عنه، أو تنقلب بسيارتك وتموت، أو أن يرتطم بك بشكل يؤدي إلى وفاتك أو إصابتك، أو وفاته هو أو إصابته!
أظن أن الأمر أكبر من التبريرات النمطية بأن هناك تهوراً، نحن نعرف أن هناك تهوراً ما، لكن كيف نضبط الأمر، هل نضبطه بالقانون والعقوبة فحسب، أم نعمل على تربية جيل جديد يؤمن بحق الآخر في العبور، ويفهم معنى الإيثار، لأن هذه المفردة أظن أنها مجهولة تماماً في مفهوم السعوديين، فمن يؤثر الآخرين على نفسه، يدخل في مصطلح (صحيِّح) في قاموسنا، أي (خبل) تقريباً.
أما ظهور هذه الإحصائيات الآن بعد مرور أكثر من سنة وبضعة أشهر، فهو أمر أتمنى ألا يكون الهدف منه، تمرير أن معدلات الحوادث بعد نظام ساهر قد انخفضت إلى النصف أو الثلث أو ما شابه، فلا يعنينا نظام ساهر، ولا الغرامات أو الجباية، المهم أن نحمي أنفسنا وأولادنا من هذا النمط من القيادة، وإلا أنا فمن مؤيدي ليس الغرامات فحسب، بل النقاط السوداء في لائحة كل قائد سيارة، التي حين تصل إلى رقم محدد، يتم سحب رخصة القيادة منه، وحرمانه من قيادة السيارة لمدد تصل إلى أشهر أو سنوات، أو إلى الأبد.