تحمل الصحف أخباراً جديدة عن هيئة الفساد التى أنشئت لغرض مكافحته وكشفه طبعاً، ولا يكاد يمر يوم دون أن تخرج علينا المكينة الإعلامية للهيئة بخبر جديد يتناول قطاعا أو منطقة، أخبار مشجعة ولا شك في فتح الملفات، وكسر الحجز النفسي للفساد وسطوته ومحمياته.
لن أزيد الكثير من المدح لهذه الهيئة في أول تحركاتها وأدائها، بل ستحول إلى الضفة الأخرى، إلى النقد، والسبب الأول هروب من ملاحقتها لي في حالة مدحها والثناء عليها، فالهيئة نفسها قالت: إنها ستلاحق ممتدحي المسؤولين والمبالغين في الثناء على إنجازاتهم وأعمالهم الوظيفية.
وقالت: إن مدح المسؤول بغير ما فيه أو المبالغة في الثناء على إنجازاته يعد نوعاً من أنواع الفساد لما يترتب عليه من غرور المسؤول وصرفه عن رؤية الأمور على حقيقتها وبما ينتج عنه فساد كبير في أداء المهام، وفقاً لصحيفة «الشرق»..
توجه جميل، لكن لم تقل الهيئة، هل يمكن لها فعل ذلك، وهل يمكن لها ملاحقة ( المداحين) في عرض البلاد وطولها، ثم ماذا عن الشعراء، يخبرني زميل شاعر أن بلادنا أصبحت بلد المليوني شاعر!، والأمر مرشح للزيادة، أضف لهم كتاب المعاريض، تخيل تكتب لوزير أو مسؤول، باسم الأخ، أو العزيز، أو أيها المكلف بخدمتنا، أوحتى باستخدام الصفة الرسمية، وبدون دغدغة مشاعر المدح، هل ستأتي بنتيجة لمطلبك؟! وعليها قس ما هو أفعال التفخيم والتعظيم.
وبقيت المقالات الصحفية فهي أقل مساحات المدح، وإن كانت الهيئة جادة، عليها أن تحارب -مثلاً- حظر الملاحق الإعلانية المتخصصة بافتتاح مشروع ما، أو ملحق مخصص لمنطقة، غيرها، والتهنئات.. إلخ...
بل قد تتجاوز ذلك إلى خلق آلية مع هيئة الصحفيين - إذا وافقت هذه الهيئة الخاملة - لحماية الصحافة والصحفيين الذين يفضحون الفساد ومشاريعه بالطرق القانونية الموثقة؟
ما أريد قوله: إن الهيئة والتي أتجنب مدحها حتى لا تقع بي العقوبة، يجب أن تتفرغ لعملها الذى أطلقته بحماسة مثيرة، نرجو لها الاستمرار والدعم، ابتداء من التوعية للمواطنين، ورصد تجاوزات بعض الموظفين كباراً وصغاراً. واستكمال لائحة البلاغات والتي تشتمل كيفية التبليغ والقرائن المطلوبة واسم المبلغ وآلية حماية سرية الاسم.
والأهم أن تنجز الهيئة ملف قضية أو عدة قضايا فساد كبرى لتتماشى ومكينتها الإعلامية الإيجابية حتى الآن.
إلا ان بقاءها في إطار الحديث عن بحثها لقضايا دون نتائج عقابية، سيفقدها الكثير من الزخم الذي تحفل به الآن. ونفرح به، وننشد استمراريته.