في 10-8-1402هـ الموافق 2-6-1982م كتبت مقالاً في جريدة الجزيرة العدد 3559 حول الحرب الإيرانية العراقية. عنوان المقال كان: هذه حرب حبلى بحروب. ما توقعته آنذاك كنتائج تحقق أكثره للأسف. تلك الحرب الأم ونسميها حرب الخليج الأولى، أنجبت حتى الآن اثنين من أولاد الشؤم، لكن الابن الثالث التي تحمله في رحمها حالياً سوف يكون أخبثهم وألعنهم وأشأمهم على الإطلاق.
لا يحتاج الأمر إلى ضليع في العلوم السياسية والعسكرية لتوقع المتوقع من قيام حرب إقليمية جديدة. لدينا العراق بكل ما يمثله من خراب اجتماعي واقتصادي وطائفي ومذهبي كمثال حي ميت على ذلك. أحاول جاهداً استجماع أفكاري والتعبير عن هواجسي كمواطن مدني له أولاد وأحفاد وعاصر عدة حروب إقليمية في الجوار. تكونت لي بالمعايشة قناعة راسخة عن النتائج الكارثية من الحروب لكل الأطراف الإقليمية وعن المكاسب المضمونة للأطراف المشاركة غير الإقليمية. لا أعتبر إسرائيل طرفاً إقليمياً لأن وجودها الجغرافي مغتصب وبعدها الحضاري مجلوب ونظرتها لأهل المنطقة التاريخيين عدوانية وعنصرية. أعتبرها واحدةً من الأطراف غير الإقليمية وجزءاً أساسياً من المتكسبين من الحروب في دائرتنا الجغرافية. المتبقي من الأطراف التي قد تشب بينها حرب إقليمية جديدة هي دول الخليج العربي وإيران. إن شبت الحرب فسوف تلحق أضراراً فادحةً بالطرفين، وأتوقع أن تكون إيران الخاسر الأكبر. لكل طرف حساباته في أي حرب إقليمية قادمة. طرفان منهما لهما حسابات هيمنة وتوسع وجني أرباح، والطرف الثالث له حسابات المكره على الدفاع عن نفسه بكل ما يملك.
أسأل الله القوي الكريم ألا تشب أية حرب جديدة، لكن المرجح أنها قادمة لأن نذرها تومض في الأفق. بناءً على هذه الفرضية أتوقع حصول ما يلي:
1- إيران سوف تفقد بنيتها الأساسية العسكرية والاقتصادية بالكامل وسوف تتصدع مثلما تصدع العراق.
2- الطرف العربي الخليجي سوف يتعرض لأضرار مادية ضخمة جداً بعضها تسببه ما يسمى بالنيران الصديقة، وتستنزف كل مدخراته التي جمعها من مداخيل النفط على إعادة الإصلاح والإعمار وسوف يحتاج ذلك إلى سنوات عديدة وربما إلى عقود.
3- الأطراف غير الإقليمية أي الغرب وإسرائيل لن يصيبها سوى بعض الأضرار المحسوبة جيداً من قبل، وبالمقابل سوف تحصل على مكاسب مادية هائلة ونفوذ إقليمي وإستراتيجي لا حدود له يشمل إيران أيضاً.
4- إسرائيل سوف تتوسع جغرافياً في لبنان وسوريا، وربما تصل إلى مشارف دمشق.
5- سوريا قد تتفتت إلى عدة دويلات مذهبية وعرقية مثل العراق.
6- العالم العربي الأوسع سوف ينقسم على نفسه تجاه هذه الحرب. من غير المتوقع أن يكون مجموعة واحدة خلف الطرف العربي الخليجي. الذين انقسموا حول العراق أيام غزو 2003م لا يتوقع منهم مناصرة دول مجلس التعاون الخليجي في حرب جديدة. الجماهير العربية عاطفية متضاربة الأهواء والشحن السياسي، والحكومات العربية أهزل من أن تتفق على رأي عروبي موحد.
7- في النهاية سوف يكتشف العرب والإيرانيون أنهم ما زالوا جيراناً الباب بالباب، لكن الحزازات والانطواء على إضمار الأخذ بالثأر سوف تتعمق.
هل هذه التوقعات محض خيال مريض مصاب بالرهاب والتشاؤم، أرجو ذلك. لكن علينا أن نكون جاهزين لهذه الاحتمالات بكل جدية.
حينئذ سوف يقال إن ما حصل كان أحد نتائج الفوضى الخلاقة ومن أهدافها التفكيك ثم إعادة التركيب، ولكن إدراك ذلك سوف يكون بعد فوات الأوان.