أجمل شيء كسبه الصحفي العربي مع الثورات العربية، هو استقلالهم، وكلما كان الصحفي بعيداً عن النظام -السابق- كلما كان أكثر قبول اليوم واعتزازاً بمهنيته، رغم عقود القمع لحرية التعبير، والسيطرة على توجيه المناصب الإعلامية، واختلاط المهنة بالأمن والأمنيين.
الصحافة والصحفي العربي تحديداً، وجد في الثورات بعداً جديداً يأخذه خارج دوامة سيطرة الحزب الحاكم، ثم الأجنحة السياسية المتنافسة أو المتصارعة أكانت إسلامية أو ليبرالية أو اشتراكية أو عروبية أو حتى وطنية، ليبقى شاهداً وناقلاً للحقائق والواقع.
صحيح أنه لا توجد حرية إعلامية مطلقة، ولا عمل إعلامي أو مشروع دون أجندة، بما في ذلك أجندة المالك أو المدير أو مسؤول التحرير، وحتى الصحفي نفسه قد يصعب عليه تبني الموضوعية المطلقة، أما مشاعره الإنسانية التي يصعب أن تغيب حتى وإن تقلصت للحد الأدنى، لكن المهم وجود معايير مهنية راسخة.
وكلما كانت أقرب للحقيقة، أكثر موضوعية، وأقرب للمعلوماتية من فرض الرأي، كلما اقتربت من خط الاستقلالية والمصداقية مع الوقت.
فالصحافة لم تحصل على لقب السلطة الرابعة عبثاً، بل هو وصف دقيق لقيمتها وتأثيرها وقدرتها على تحريك الراكد، والوصول كل مرة إلى المسكوت عنه.
هذه الاستقلالية هي التي تمنحها، وتمنح العاملين فيها، وتمنح المهنة قوة الحضور والتأثير والاستمرارية بغض النظر عن نتائج التنافس السياسي على السلطة. أو قوة وضعف السلطات الأخرى داخل المجتمع الواحد.
وهو ما يفسر إلى حد كبير نجاح الإعلام الخاص، مقابل الإعلام الحكومي أو المدار من الحكومات مباشرة. كما يفسر فشل أي مشروع إعلامي قائم على عقيدة غير ليبرالية، بمعنى القبول بكل الأطراف والآراء، الرأي والرأي الآخر.
صناعة لا يمكن لمتطرف في أيديولوجيته، معتقد بامتلاك الحقيقة وإدارتها، ويقسم الناس والثقافة إلى مع أو ضد أن يحسن فيها.
لذا تفشل القنوات الدينية -مثلاً، والتي بدأت تخبو الحماسة بها ولها، والتي لم ولن تكون ملجأ للناس عند البحث عن الأخبار والمعلومة ومتابعة ما يجري على الأرض سياسياً أو اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً.
في المقابل قد ينجح داعية لفكرة أو اتجاه، قد ينجح في جذب جماهيرية معتبرة، عبر وسيلة إعلامية أو برنامج أو مقال، لكنه يبقى في إطار خطابه ودعوته، إرشاده وتوجيهه، ولن يصبح أبداً طرفاً صحفياً أو إعلامياً، مجرد طارئ على الوسيلة الإعلامية، التي ستبقى دائمة البحث عن جمهور جديد لأغراض تسويقية في الغالب.
الصحافة العربية هي في اعتقادي الكاسبة في عصر الثورات العربية، والصحفي العربي المخلص للمهنة هو الكاسب باستمرار مهما تغيرت تضاريس السياسة ولاعبوها ومناخها ووجوهها.