تقترن الطفولة بالكثير من المعاني الجميلة، فمن متلازمات الطفولة البراءة والسماحة، الإشراقة والابتسامة، كلكم ذاك الرجل الذي تسر عيناه عندما يرى طفلا، تبتهج نفسه فرحا بمداعبته، ينشرح الصدر سرورا وسعادة عند ملاقاة الطفل ومناجاته، وعلى الرغم من بساطة التكوين الاجتماعي والثقافي للطفل إلا أن التعامل معه يعد محببا للنفس، تشتاق لرؤيته الأعين، وتطرب الآذان لسماع مناغاته، وتسعد النفوس لرؤيته، وتخفق القلوب لابتسامته اللطيفة الرقيقة، فيه تتجلى الفطرة بكل صورها ومعانيها الجميلة، الفطرة السليمة الخالية من عبث النحث الثقافي الذي يخرج الإنسان من إطاره الإنساني الذي جعله الله في صورة حسنة تامة كاملة في جوانبها كافة، إلى إطار مصنوع مشوه تنفر منه النفوس الكريمة وتأباه وتكرهه.
ما أجمل ملامح المبتسم وما أبهاها، ما أجمل الابتسامة تشرق على المحيا، تكسوه جمالا وجلالا، من البدهي أن الكل يخبر ملامح الابتسامة ويعرفها تمام المعرفة، إنها مفتاح القلوب، و مفتاح العلاقات الإنسانية الصافية من الكدر، هي مذيبة جليد الوحشة، تنشر الارتياح والقبول، وتبلسم الآلام، وتشفي الجراح، ولمزيد من استحضار الصورة البهية للمبتسم، أغمض عينيك وتصور الوجوه الكريمة التي تعلوها مسحة البسمة ولطفها ورقتها، وسوف يسري في جسدك تدفقات من نبض البشر والسرور والارتياح، الإنس والاسترخاء والانبساط، الشوق إلى تكرار ملاقاة أصحاب الابتسامة والقرب منهم و التعامل معهم، لأن الابتسامة تكسو وجه المرء بشاشة لها أثر آسر يصدق عليه قول الشاعر :
بشاشة وجه المرء خير من القرى
فكيف بمن يأتي به وهو ضاحك
وما أقبح ملامح المتجهم الواجم وما أقساها، وهي تطبع الوجه وتكسوه ظلمة ووحشة وكآبة وقتامة وعبوسا، ومن البدهي أن الكل يخبر ملامح المتجهم ويعرفها تمام المعرفة، فمن أبرز علاماتها في الوجه تلك الخطوط الحادة التي تبدو بين الحاجبين، وبرود اليدين عند المصافحة، إنها حالة منفرة، تنقبض منها النفوس والقلوب، تقطع أواصر العلاقات الإنسانية وتكدرها، وتزيدها برودة ربما تصل إلى درجة التجمد، تثير الاشمئزاز والنفور والوحشة والكراهية، تنكأ الجراح وتضاعف الآلام، ولمزيد من استحضار الصورة الكريهة للمتجهم، أغمض عينيك وتصور تلك الوجوه الكريهة التي تبدو عليها مسحة الوجوم و التجهم, بما تحمله داخلها من قسوة وغلظة، وسوف يسري في جسدك تدفقات من نبض النفور والانقباض والقلق، الوحشة والتوتر والكآبة، والخوف من ملاقاة المتجهم والقرب منه والتعامل معه، فملامح وجه المتجهم جامدة منقبضة مكفهرة، وقد ثبت أن سبعا وأربعين عضلة كلها تنقبض و تشترك في رسم الصورة الكريهة الواجمة للمتجهم، ولهذا لا تعجب عندما يصافحك المتجهم بأطراف أصابعه و يسارع إلى سحب يده من يدك، أو عندما يتكلم معك وكأنه مكره على الكلام.
كان الله في عون من يتعامل مع هذه الفئة من البشر، الذين لا أعرف كيف يتحملون أنفسهم ويصبرون عليها، أو يلتقي بهم يوميا أو دوريا، وأخص الأهل والأقربين، أما الأصدقاء فحتما غير ملزمين بمصاحبة هؤلاء وملازمتهم، لهذا قل أن تجد لذوي الوجوه المكفهرة الواجمة المتكبرة أصدقاء مقربين، كل من عرفهم، ينفر منهم ويفر، يقال في الأمثال العامية: «كل كره، وأشرب كره، ولا تقابل كره» أي بإمكانك أن تأكل الشيء الذي تكرهه، وتشرب الشيء الذي تكرهه، لكنك لا يمكن بحال أن تصادق وتجالس وتتحمل ولو لدقائق شخصا تكرهه، وعلى الوجوه العابسة علامات وإيحاءات تبث رسالة صريحة مضمونها، ابتعد عني لا تقترب، لهذا إذا أردت أن تدعو على أحد فقل: عساك تقابل يوميا أمثال هؤلاء، لأن مجرد مشاهدتهم، تبعث في النفس الكآبة وضيقة الصدر.
وحيث إن الابتسامة تعد المدخل الأول للتواصل، بادر وتفحص وجهك في المرآة، فإن رأيت وجهك مشرقا، وما بين حاجبيك منبسطا فاحمد الله على العافية، وإن رأيت ما بين حاجبيك منقبضا فاعلم أن ملامح وجهك واجمة كئيبة مكفهرة، وأنها تبعث برسائل تنفر الآخرين منك، وتبعدهم منك وعنك، ولكي تخرج من هذا الإطار الكئيب، درب نفسك على الابتسامة والبشاشة، ففيهما إشراقة تتصدق بها على نفسك وعلى من يقابلك.