* يحاصرنا الخوف من كل الزوايا؛ فالفردُ والوطن والأمةُ في مواقعَ غير مطَمْئنةٍ، والغدُ هو المشتركُ « القلقيُّ « بينها؛ فعوادي الزمنِ ومتغيراتُه نقلت أجيال التقنية ومخرجاتها من هوامش الطمأنينة إلى بؤر الترقبِ والتذمر، وصاراليأسُ من آتٍ أرهصتْ مقدماته مؤشرًا على منذراتِ التعب والسغب، وتجاوز الخوفُ توجسَ الفرد إلى مستقبل الوطن ومصير الأمة.

* كانت فلسطين الهمَّ الأوحد لأجيال النكبة وما تلاها من نكبات، ثم تراجعت قضيتها بعدما صار يهودُ بني أبينا أشدَّ عداوةً من صهاينةِ شامير وشارون، وفيما احتوتنا مشكلاتُ لقمة العيش زمنًا صار العيش ذاتُه هو الهاجس، وفي حين لم نع - عبر عقود- سوى أمة عربية وإسلامية بتنا أمام أممٍ شتى تنتظمها مذاهب وأدلجات وتوجهات.

* كان طموح الفرد محدودًا بطموح مجتمعه المتواضع الذي ارتضى من التعليم والصحة والخدمات والحرية أدناها؛ فعاشا في وئام بين الممكن والمتوقع اللذَين لا تفصلهما مسافة عناء، ولعل هذا عاملٌ مهم في اجتذاب الهدوء للذات كما للوسط المحيط، وليس أشقى من طول الطريق مع قلة الزاد وتواضع الراحلة.

* سينقلنا الخوف إلى محطات تشاؤمٍ يدفعُ تداعياته الشباب الذين يمثّلون القاعدةَ الأكبرَ من التكوين السكانيِّ العربيّ، وقد يولد هذا الخوف يأسًا ناتجُه تهورٌ يفضي إلى اطّراحِ المعايير الضابطة لإيقاع المجتمع الآمن السوي.

* التخويفُ قدرنا العربيُّ؛ فبينما كنا نُخَوَّف بالـ»السعْلوّة « صغارًا وبآذان الجدران شبابًا فإن قدرَ أبنائنا التخويفُ من إعتام الغد الذي قد يمتد ليطال هُوياتهم وانتماءاتهم ووحدتهم، وجاءت حركاتُ التحرر فيما أُسمي « الربيعَ العربيَّ» واعدةً ومخيفةً في الآن ذاته؛ ما غيَّب عوامل الاستقرار والتطلع.

* الخوف مما نعلمه أمر فطريٌّ رغم سلبياته النفسية والجسدية، لكن الخوف الآخرَ رهابٌ مَرَضيٌّ ذو عواقب كارثيةٍ على الصحة الفردية والمجتمعية، وبخاصةٍ أن الجيل الجديد مسكونٌ بمعاني التغيير السريع؛ فإذا تخيل طريقًا مخيفةً أمامه وواقعًا سيئًا خلفه فإن القلقَ من المجهول والإحباط من المتحقق قد يدفعانه لحل مشكلاته عبر معادلات غير محسوبة وربما مكذوبة.

* علامَ الخوفُ؟ وإلامَ؟ هذا هو سؤال جيل اليوم كما يطرحونه حالاً ومقالاً، وهو ما يفسّر لغة الأنين العالية التي يهتف بها الواحد والمجموع دون أن يكون سببُ ذلك فقدًا خاصًا أو حرمانًا مباشرًا أو جرعةً زائدةً من الغيرةِ الوطنية.

* في وصية تنسب لسيدنا المسيح عليه السلام «ألا نخاف ممن يقتل الجسد، بل ممن يقتل النفس»؛ وهي وصيةُ حق؛ فالخوف الوهمي يدمرهما معًا، والتوجه لبناء المستقبل خيرٌ من الغرق في شتم الواقع واليأس من تبديله.

* الخوف هزيمة.