سوريا تكتوي بنيران النظام السياسي فيها، وسوريا بشار تريد أن تحرق كل شيء فيها ما دام هناك أمل أن يبقى هذا النظام.. سوريا تعيش لحظات تاريخية لم تصل له في مدى تاريخها المعاصر والقديم، حتى العهود الماضية لم تنشأ فيها أوضاع مشابهة للواقع الحالي الذي تعيشه.. سوريا تحترق..
والنظام يشعل هذا الاحتراق بلا رحمة لطفل أو امرأة أو شيخ أو صغير..
ومن الواضح أن النظام يعيش لحظاته الأخيرة، فقد وصل إلى مرحلة اللاعودة.. ويلفظ اليوم ربما أسابيعه أو شهوره الأخيرة، لأننا لسنا متفائلين كثيراً في أن الوضع القائم سيتغير بين يوم وليلة.. ولكن النظام يدرك أن بقاءه لم يعد خياراً، ولم يعد في أجندة أي قوى سياسية أو شعبية في المنطقة أو في العالم.. حتى أقرب الأقربين لهذا النظام يدركون أن الأمور تسير إلى نهاية النظام البعثي في سوريا، وأن الأمور ستنتهي إلى زواله..
لن ينسى السوريون ومعهم العرب مشهداً بمجلس الأمن الدولي عندما رفع السيد فيتالي تشركن مندوب روسيا الاتحادية ومعه السيد لي باودنج المندوب الصيني يديهما للاعتراض على قرار مجلس الأمن المقترح من المجموعة العربية والغربية في قرار لإنهاء الوضع المتردي في سوريا.. هذا المشهد سيظل في ذاكرة سوريا القادمة، في ذاكرة الأطفال والنساء والصغار والكبار من أبناء وبنات سوريا.. فقد سوف هذا القرار -فيتو القرار- سقوط النظام، ولكنه لن يبقيه طويلاً.. والثلاث الدول الدائمة العضوية بالمجلس (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا) صوتت مع القرار مع الدول العشر غير الدائمة (الباكستان، المغرب، ألمانيا، جواتيمالا، توقو، البرتغال، كولومبيا، أذربيجان، الهند، وجنوب إفريقيا)..
الوضع الحالي في سوريا أشبه بعملية احتراق متواصل للشعب السوري بقوة آليات النظام العسكرية، وحشود الشبيحة الذين يداهمون المواطنين في الشوارع والمنازل ويعبثون فيهم قتلاً وتنكيلاً وخطفاً وتعذيباً.. ما يدور حالياً في سوريا غير مسبوق في تطور أحداث الربيع العربي، وإذا كانت الحالة الليبية تشبهها، لكن في المرحلة الحالية دون غطاء عسكري أممي أو عربي لا يمكن تشبيهها بمثل هذه الحالة..
ولا شك أن الوضع الحالي رغم قتامته من الطرفين من ناحية النظام ومن ناحية الشعب، إلا أن هناك حقائق أساسية هي التي ستحدد مصير ومنطق هذه الأحداث، ومنها:
1 - لا توجد خطوط رجعة للنظام، فقد انفلتت الأحداث ولم يعد النظام يسيطر عليها.. وقد كان لدى النظام خطوط رجعة كان بإمكانه أن يعود من خلالها، ولكنه أفلتها.. ولهذا فمنطق الأحداث يشير إلى تصاعد الوضع واستحالة رجوعه إلى الخلف.. وقد تجاوزت الأحداث مرحلة العودة إلى الوراء، ولم تعد هناك خيارات أمام النظام تتيح له البقاء في الحكم..
2 - سيعمل النظام في آخر مراحله إلى مبدأ تقسيم الدولة شرقاً وغرباً، معتمداً على بقائه في مناطق محدودة متمسكاً بها، ولكنه في نهاية المطاف سيتراجع تدريجياً إلى بقائه في منطقة محدودة أشبه بطرابلس كما في الأحداث الليبية..
3 - سيكون هناك تدخل دولي في سوريا بمظلة أممية أو بدون، ولكن من خلال تحالفات دولية، أقلها هدفها دعم الحراك العسكري الشعبي المعارض للنظام..
4 - زيادة وتيرة الكراهية للنظام، وزيادة الانشقاقات العسكرية في صفوف الجيش والأمن السوري.. وهذا من شأنه أن يبني قوة عسكرية جديدة تفرض واقعاً جديداً على تطور الأحداث في سوريا.. والجيش الحر في سوريا هو نواة جيش التحرير القادم الذي سيكون له دور فاعل في التحرر من النظام وبناء واقع سياسي جديد..
هذا هو السيناريو الذي سيتابعه العالم في الأسابيع والأشهر القادمة.. ولن يخرج عن مثل هذه الحالات المتوقعة والتي تفرضها الأحداث المتتالية في الحالة السورية التي تغلي من الداخل والخارج.. وسيظل هناك سيناريو أقل احتمالاً للخروج من الأزمة قد تلعبه روسيا في محاولة لحفظ الوجه إذا استطاع رئيس الاستخبارات الروسية في زيارته لدمشق الأسبوع الماضي مع وزير الخارجية أن يبرمه مع الرئيس بشار الأسد، وهو خروج الأسد وإعطاؤه حق اللجوء السياسي في روسيا إذا وافق على ترك سوريا لنائبه ليشكل مرحلة انتقالية تفضي إلى نهاية النظام الحالي.. ولا شك أن هذا الخيار سيبقى محتملا دائما مع تطور الأحداث المتلاحقة في سوريا ومع زيادة سفك الدماء وانفلات الأمن وتزايد الانشقاقات العسكرية.. فخيار خروج بشار الأسد قد تم تدارسه ولكن في الأغلب أنه احتفظ بتاريخ خروجه عندما يشعر أن تطورات الأحداث قد تجاوزت أي فرصة للتحكم فيها.. وهذا هو الذي سيحدث ومتوقع في المرحلة القادمة من مراحل نهاية النظام.
alkarni@ksu.edu.saرئيس الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية بجامعة الملك سعود