يحمل الإنسان الآلاف من العوامل الوراثية أو ما تسمى بـ(الجينات)، وهي المسئولة بأمر الله عن تشكيل جسم الإنسان ونموه وعمل وظائفه، وتحديد لون البشرة والشعر والملامح، وكذلك مدى الحساسية من الأمراض ومقاومتها. هذه الجينات يرثها الإنسان من والديه، نصفها من الأم والنصف الآخر من الأب وهما ورثاها من والديهما، وبذلك
فالإنسان تلقائياً يرث من أجداده جينات عديدة تدخل في صفاته الخلقية وطبائعه السلوكية. لذلك نجد حولنا أو في واقعنا العام من يشبه أباه، أو يحمل كثيراً من صفات أحد أجداده خيراً كان أو شراً، خاصة الشخصيات العامة، سواءً على المستوى المحلي، أو الصعيد العالمي بما في ذلك الوطن العربي والعالم الإسلامي.
من هذه الفكرة تأملت في واقع بعض الشخصيات البارزة، من حيث وجود جينات ظاهرة انتقلت إلى أبنائها فعُرفت هذه العائلة بالطب وأخرى بالشعر وثالثة بالتجارة وقس على ذلك، كما قرأت في تواريخ بعض الزعامات العربية والإسلامية خلال سلسلتها العائلية، ومن ثم محاولة ربط جينات معينة تبدو غالبة في تلك السلسلة العائلية بمواقف وأعمال ذلك الزعيم الذي ينتمي إليها، فوجدت أمثلة كثيرة في التاريخ والواقع المعاش، غير أن الحالة السورية تبدو مقاربة للدلالة على مسألة غلبة الجين (العامل الوراثي) على السلوك والموقف، فهذا القتل المستمر في أبناء الشعب السوري، والبطش الوحشي من قبل نظام بعثي تحكمه عائلة دموية لا تعرف إلا شريعة الغاب، لا بد أن يكون ذلك مرتبط بـ(جينات) مترسخة في نسيج تلك العائلة، خصوصاً إذا تهيأت لها الظروف السياسية والمقومات الأمنية، فنجحت في السيطرة على الحياة العامة وإقصاء كل خصومها، بل ورفاقها في سبيل مجد العائلة. لهذا نبشت تاريخ سوريا الحديث بحثاً عن ما يربط بين العمل الوحشي، الذي يبطش ببلاد الشام وبين عائلة الأسد منذ ظهورها على مسرح التاريخ العربي في بلدة القرداحة خلال منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، فوجدت أن وحشية النظام البعثي الذي تحكمه عائلة الأسد يعود إلى طبيعة هذه العائلة الدموية وتركيبتها، وتاريخها في الفتوة والبطش منذ أن وفد جدها سليمان إلى بلدة القرداحة.
فبعيداً عن أصل العائلة التي اخُتلف حولها بين الأصل العربي أو الشركسي أو التركي، إلا أن المتفق عليه أن سليمان جد العائلة، وهو الجد الثاني -ترتيباً- للرئيس بشار الأسد (بشار بن حافظ بن علي بن سليمان)، لم يكن من القرداحة، إنما وفد إليها من لواء الأسكندرون، وقيل من هجرات الشركس والأرمن بسبب الحروب العثمانية، وكان فقيراً فسكن في مدخل القرداحة وعمل وأولاده في الزراعة وقيل في النقل (حماليه)، خاصةً أنهم كانوا يمتازون بضخامة الأجسام والفتوة، وقد لقبه أهل القرداحة بـ(الوحش) بسبب مصارعة جرت بينه وبين مصارع تركي، حيث قضى عليه أمام أهل القرية، فعرفت أسرته باسم (سليمان الوحش)، إلا أن هذا اللقب تغير إلى (الأسد) عام 1927م بعد أن صار لهذه العائلة نفوذاً في القرداحة، واستطاع علي بن سليمان (والد حافظ الأسد وجد بشار) أن يكون أحد وجهاء القرداحة بالقوة.
وعليه لا تستغرب من عائلة عرفت بالفتوة والبطش أن يكون تاريخها السياسي دموياً، فحافظ الأسد تنكر لقادة حزب البعث وطردهم وعلى رأسهم ميشيل عفلق، كما انقلب على صديقه صلاح جديد ورماه في السجن عام 1970م بما عرف بـ(الحركة التصحيحية)، ونفذ مذبحة حماة عام 1982م، عندما أطلق يد أخيه رفعت الأسد فحاصر المدينة ثم قصفها واجتاحها عسكرياً فسقط قرابة (30 ألف) قتيل، واليوم تعيد هذه العائلة تاريخها الدموي وتجدد أحبار سجها الأسود بمذبحة حمص التي جاءت امتداداً لكل شهداء الثورة السورية المجيدة التي انطلقت في 15 مارس 2011م . ولازال الرئيس الأسد يخطب وأخيه ماهر الوحش يبطش.
kanaan999@hotmail.comتويتر @moh_alkanaan