إكمالاً لتعقيبي السابق على مقالة الكاتب محمد آل الشيخ والمعنونة بـ (وعادت البيانات من جديد) المنشورة بجريدتكم الغراء بتاريخ 17 من شهر صفر أواصل التعقيب على مقالته الأخرى والمعنونة بـ(القراءة السياسية الخاطئة) والمنشورة بتاريخ 16 من شهر محرم لأن هاتين المقالتين كتوأمتين متلاصقتين يصعب على فكر قارئهما الفصل بينهما وتناول فيهما الرد على بيان من يسمون أنفسهم (بالإصلاحيين) فأكتب مستعيناً بالله وحده.
إن من نعمة الله وفضله على هذا الوطن أنه ومنذ توحيده على يد مؤسسه يرحمه الله سار بنهضته عزيزاً لم يكن وكريماً لم يهن وحرص أبناؤه من بعده السير على خطاه بعد أن ترك لهم النبتة يانعة فتية محافظين على ثوابت دين الله بدون إفراط ولا تفريط. ولقد استطاعوا بعلم وحكمة وبقراءات سياسية من الله موفقة لكل الأحداث التي مرت بهذا الوطن وبظروف حالكة السواد أن يقودوا سفينة هذه البلاد كأمهر ربان وفي بحور متلاطمة الأمواج، فجنبوا بلد التوحيد والعقيدة الويلات والشرور ووصلوا بها إلى بر الأمان وهذه شهادة كل عاقل منصف أبعد هواه أن يطغى على تحكيم عقله بعد أن جاهد نفسه الأمارة بالسوء أن تميل كل الميل إلى مزالق الضلال مدركاً أن هناك تقصيراً وزلات لا ترتقي لإصدار بيانات وخصوصاً مثل هذا البيان والتي في ظاهرها الرحمة ومن قبلها الشر والفتنة.
ولأن وتيرة الأحداث التي يعيشها العالم العربي في هذه الأيام متسارعة فإن مصدري هذا البيان ظنوا بأن ركوب موجة الإصلاح وفي هذا الوقت بالذات سيجعلهم يملكون التأثير على العقل المجتمعي وأنهم برفعهم لشعار الإصلاح سيمتلكون عقول الأغلبية والتأثير عليهم بعد أن فشل غيرهم كلا بطرقه ولكن كتب الله لهذه الرؤية الفشل لأنها نابعة من هوى وزيغ وضلال ولأنهم ذكروا أخطاء وتغافلوا عمداً عن ذكر منجزات وفي هذا العهد بالذات متناسين أن أبناء هذا الوطن الأوفياء المدركين لنعم الله بأنهم وإن فقدوا نعمة من نعمه التي لا تعد ولا تحصى عليهم فإن ذلك لن يجعلهم يسلموا فكرهم فيغمضوا أعينهم رغبة لمن أراد منهم أن يتناسوا بقية هذه الأنعم لإدراكهم بأن ذلك من كفر النعم التي توجب الزوال وتمحق البركة. كما ظن هؤلاء الإصلاحيون أن الفرصة باتت مواتية لهم ليكونوا في مقدمة راكبي الموجة ومقتسمي الكعكة بعد أن خانتهم قراءاتهم للأحداث بصورة خاطئة نتيجة قراءة عاجلة فتوقعوا أن ما حصل في بعض الدول العربية والمسمى بالربيع العربي والذي سيكون والله أعلم عليهم خريفا سيطول أمده متجاهلين بأن هناك فرقا بيننا وبين هذه الأنظمة في كل شيء ولا يوجد أي ارتباط بين أوضاعنا وأوضاعهم فالمساحة بيننا وبينهم شاسعة البون لا من ناحية الجذور الدينية الضاربة بعمق في نفوس أبناء هذا الوطن ولا من ناحية الثقل الديني لهذا الوطن والذي يحتضن على أرضه أقدس البقاع، كما أن الفرق بيننا وبينهم من ناحية الترابط بين أبناء هذا الوطن وبين علمائهم وثقتهم بالله ثم بهم فليس هناك فجوة بينهم مما جعل لكلماتهم وقع في نفوسهم خصوصاً في المسائل التي تتعلق بثوابت دينهم ثم أمن وسلامة وطنهم ولا من ناحية الثقل السياسي على المستوى العالمي والإسلامي والعربي لهذا الكيان ولا من ناحية سعي ولاة أمره لتأسيس دولة مؤسساتية حديثة والذين قطعوا به مشوارا ليس بالهين نكرانه ولا من ناحية الترابط الاجتماعي بين أبناء هذا الوطن ومشاركتهم في بناء وطنهم بعد أن كان قبل توحيده شر مذر فكافحوا مع ولاة أمرهم ومسئوليهم من أجل استثمار ما أنعم الله به عليه من ثروات للنهوض به في شتى المجالات فكانت لهذا الوطن تنمية شهد لها الكثير ممن تشرف بزيارته سواء من جاليات عربية أو مسلمة أو من وفود أجنبية زائرة.
كما لم يدر بخلد مصدري هذا البيان بعد أن أعمتهم والله أعلم سكرة الهوى والرغبة في أن رياح التغيير التي قد مرت على بعض الدول العربية وعصفت بمن عصفت حتى أسقطت أنظمة فجهلوا أو تجاهلوا بأن دعاة الشر والفتنة ومشتهي التمزق والتشرد بعد وحدة أرادوا مرورها على هذا الوطن حتى إذا اقتربت منه فإذا بهذه العاصفة التي ينتظرون مرورها مترقبين نتائجها تتحول بقدرة قادر كنسيم رقراق أنعش نفوس أهله فزادهم ألفة وقربة ومحبة بصورة مذهلة أعجبت الزراع من ولاة أمر وعلماء ووسائل إعلام عربية كانت أم أجنبية أغاظت أعداء ومتربصين يريدون شروراً أن تصيبه فكانت نتيجة هذا الالتفاف بين الراعي والرعية أن حصل لهذا الشعب من النعم والخيرات ما كانوا لينعموا بها لو حدث بها ما حدث بغيرها من البلدان فتم توظيف آلاف من الشباب والفتيات وتم إطلاق حزمة من الإجراءات الإصلاحية والتي ساهمت برفع المستوى المعيشي لبنائه وسعى للاستفادة من هذه الطفرة بإحداث منجزات حضارية لعل منها هذه التوسعات التي تمت وما زالت تتم للحرمين الشريفين والاهتمام بالبنية التحتية بإنشاء سكك للقطارات تربط الأطراف المترامية لهذا الوطن والقيام بابتعاث كثير من شباب هذا الوطن لأرقى الجامعات العالمية حتى يتم إعدادهم ككوادر فاعلة تساهم في نهضة وطنها بعد عودتها من دراستها والسعي لتوفير مسكن لكل مواطن عبر ضخ مليارات الريالات لصندوق التنمية العقاري وإطلاق نظام حافز الذي خفف على شباب هذا الوطن المعطاء الشيء الكثير مما كان يعانيه.ومع كل ما ذكرته وبينته إلا أنك تجد عند قراءتك لبيان هؤلاء الذين رفعوا شعار الإصلاح والذي أصبح كما قال نزار (قميص عثمان الذي فيه يتاجرون) بأنهم لم يستفيدوا من تجارب مر بها غيرهم ممن سبق وإن ركبوا موجات وخلال أزمات فأخذوا يصدرون بيانات ومن تيارات لها من الحظوة في المجتمع ما لحظوتهم ومنها ما يسمى بتيار الصحوة ولكن تلك البيانات ذهبت أدراج الرياح ونسيها من كان يطبل لها جاهلا بمغزاها وبقية هذه الدولة لتتخطى العقبات بثقة المتوكل على الله. وإذا كان الكاتب محمد آل الشيخ قد ذكر بمقالته تلك الرهانات الخاسرة التي كان مبعثها من خارج وطننا وكانت تريده أن يكون ألعوبة بأيديهم كالمد الناصري والثورة الخمينية فأنا أزيد على ما ذكره بحوادث داخلية التي راهن من كان يريد الشر لهذا الوطن عند حدوثها على سقوط كيانه ولكن رهاناتهم ولله الحمد كانت خاسرة أذكر منها حدثة الحرم التي تمت في عام 1400هـ والتي استغلت الدين لترويج أفكارها لحشد أكبر عدد من المتعاطفين معا ولكن الله رد كيدهم في نحورهم ثم جاءت بعدها حادثة غزو العراق للكويت وحاول ولاة أمرنا في ذلك الوقت حل المسألة بين المتنازعين بصورة ودية ولكن تعنت النظام العراقي أجبر حكومة هذا الوطن أن تستعين بالقوات الأجنبية لإخراج العراق من أرض الكويت ومنع تهديده للمملكة بعد أن حشد جزءا من جيشه على حدوده فضجت آنذاك مجموعة ممن يسمون أنفسهم (بمشائخ الصحوة) منددين بهذا القرار فكان التوفيق من الله لرأي هيئة كبار العلماء والتي كان يرأسها آنذاك الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله وولاة أمر هذه البلد ثم أتت الأحداث الإرهابية والتي أزهقت فيها أنفس بريئة وأتلفت فيها ممتلكات وراهن من راهن على أن هذه الأحداث سيمتد أثرها لسنوات ولكن بفضل من الله ومنة تم القضاء عليهم وبفترة محدودة بل أصبحت هذه الدولة تنفذ ضربات استباقية حتى استأصلتهم وقطعت دابر شرهم.
وأخيراً ما حصل من الحوثيين على الحد الجنوبي لهذا الوطن الذين ظنوا أن صمت حكومة هذا الوطن هو رهبة وخشية فلقنهم جنود التوحيد درسا لهم ولغيرهم لن ينسوه فأمن هذا الوطن دونه خرط القتاد.
وفي النهاية أقول لهؤلاء الإصلاحيين ولغيرهم بأن وطن يقوده ملك الصلاح والإصلاح وخادم للحرمين الشريفين الملك عبدالله وولي عهده نايف بن عبدالعزيز قائد من قادة السلفية وأحد حاملي ألويتها ووزير خارجيته السياسي المحنك سعود الفيصل فلا تخافوا عليه ولينصرف كلا إلى ما وكل به فقد كفاكم هؤلاء بما هو فوق طاقتكم.
أدام الله نعمة الأمن والأمان على ربوع هذا الوطن وعلى كل بلاد المسلمين.
عبدالله بن سليمان الحميدي - محافظة الزلفي