لست متشائماً..!! من ذلك اليوم الذي تضطر فيه لمراجعة إحدى الجهات الحكومية لإنجاز معاملة روتينية بسيطة. يوم يبدأ بالزحام الشديد لتمركز أغلبية الدوائر الحكومية في وسط المدينة مع تزايد أعداد المراجعين وتكرار المراجعات بسبب درجة المركزية العالية وعدم التكامل في الخدمات وضعف مستوى الوضوح في الإجراءات والمتطلبات وتكرارها وضعف استخدام تطبيقات الحاسب وقواعد البيانات المتكاملة والمشتركة بالإضافة إلى غياب التخصص والتدريب في خدمة العملاء والجمهور وينتهي ذلك اليوم بموعد جديد أو لتبدأ معاملة مُكملة لدى جهة أخرى!.
تُركْ المواطن بين خيار إهدار وقته في هذه المعركة غير متوازنة القوى أو خيار مكاتب (الخدمات العامة) التي هي بدورها تحتاج لإعادة نظر من قبل وزارة التجارة والصناعة لوضع معايير مهنية لها تضمن حقوق المواطن.. وقد يكون من الأفضل دمجها في شركات رئيسية على غرار مكاتب الاستقدام كما فعل معالي وزير العمل وفقه الله.
الخيار الثالث، وهو غير جديد من حيث الفكرة، يتمثل في إنشاء مراكز خدمة المواطن (مراكز الخدمة الشاملة) لتكون ملتقىً مادياً شاملاً لكافة الجهات الحكومية ذات المعاملات المتعلقة بالجمهور لتفتتح كل جهة (بوتيكاً) تقدم من خلاله باقة خدماتها بشكل احترافي ومهني يرقى وتطلعات المواطن وأن تكون فعلاً مركزاً للخدمة الشاملة (One-Stop-Shop)، ولعلنا نستشهد بتجربة الهيئة العليا للسياحة والآثار وكذلك الهيئة العامة للاستثمار من خلال تدشينها مراكز لخدمة المستثمر بشكل متكامل ومهني ساعد وبشكل مباشر على تحقيق هذه الهيئات لأهدافها التشغيلية.
قد لا تُقدم الخدمة في هذه المراكز بشكل مجاني بالكامل! فمن الممكن أن تستقل مادياً ويسمح لها بفرض رسوم منطقية وشرائح أو فئات خدمات متعددة لتحقيق التوازن المالي والتشغيلي المطلوب ولكي تستمر الجهات الحكومية بتقديم خدماتها مباشرة للجمهور غير الراغب في تحمل رسوم الخدمات لهذه المراكز. كما يمكن إسناد مهمة تأسيس وتشغيل هذه المراكز على القطاع الخاص بشكل كامل أو جزئي لتوفير المرونة والسرعة في تحقيق الأهداف المنشودة من هذه المراكز.
تجدر الإشارة والتأكيد على أن هذه المراكز لن تغني ولن تكون بديلاً عن برامج التطوير التنظيمي في الجهات الحكومية وتحديداً فيما يتعلق بإعادة هندسة العمليات والإجراءات وتطوير بيئة التعاملات الإليكترونية والذي نأمل من برنامج (يسِّر) أن يقوم بدور أكثر فاعلية بهذا الخصوص، ولكن سوف تساعد هذه المراكز في خلق بيئة مهنية تنافسية وفق «أفضل الممارسات» مما سينعكس بالتأكيد على البيئة التنظيمية في الجهات الحكومية ذات العلاقة.
إذا رأت هذه المراكز النور فسنحقق أهدافا عدة، أهمها زيادة مستوى الجودة في العمل الحكومي، وتحقيق مستوى أفضل من رضا المواطنين (العملاء)، وخلق فرص وظيفية جديدة، وتعزيز كفاءة الأداء في الجهات الحكومية، وتقليل الهدر في الوقت وبالتالي التكلفة، وإعادة توزيع الحركة المرورية وتمركزها.