صحيح أننا نعاني من الفساد الإداري والمالي والذي نكتب عنه كثيراً، وصحيح أنه أنشئت هيئة مكافحة للفساد من أجل تعديل أوضاعنا، لكن كيف يمكن مكافحة الفساد الدولي، خاصة إذا كان فساداً معلناً، لا أعرف كيف شعرت بأن روسيا والصين حينما استخدمتا حق الفيتو ضد الشعب السوري، أحسست أنهما إحدى شخصيات الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز في قصته الرائعة (أحداث موت معلن).
فعلاً أصبح الموت في سوريا معلناً، وشرساً، ولم تعد الأرقام في فلك العشرين أو الثلاثين قتيلاً يومياً، بل بعد نقض القرار الذي يدين الاستخدام المفرط للعنف، أصبح القتل اليومي في أفق المئات لا العشرات، وكأنما النظام هنا أصبح يشعر بأن لا أحد سيحاسبه، فعاث فساداً وقتلاً مجانياً، وكأنما نقض القرار أعطى إشارة علنية إلى الأسد: هيا افعل ما تشاء... اقتل واسفك المزيد من الدماء!
الغريب أن القرار أصلاً كان عادياً، بل ضعيفاً، لا يستحق استخدام حق الفيتو، فما معنى إدانة العنف المفرط، لاحظوا كلمة المفرط، أي أنه مع العنف جملة، لكنه ضده تفصيلاً، فكن عنيفاً، لكن لا تفرط في العنف، ومع ذلك جوبه هذا القرار الضعيف بالنقض!
إذا كانت الحكومات العربية عجزت عن إقناع روسيا والصين بالكارثة المحدقة بسوريا، وإذا كانت (بجاحة) مندوب روسيا في مجلس الأمن هدد رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها بمحو قطر من الخريطة، وإذا كانت الدول العربية عاجزة، حتى الآن، عن طرد سفراء سوريا في بلدانها، وإذا كانت الحكومات العربية عاجزة عن اتخاذ قرار الاعتراف بالمجلس الوطني السوري كممثل وحيد للشعب السوري، فعلى الشعوب العربية أن تكمل ثورتها الخالدة، وأن تتحد في مقاطعة جميع السلع والبضائع الروسية والصينية، حتى يصاب التجار بالكساد، ويوقفوا استيراد بضائعهم، لأن التاجر لن يوقف استيراد بضاعة يربح منها حتى لو كان مصدرها (الشيطان) نفسه!
على العالم أجمع، أن يدرك أن هذه الشعوب التي صبرت وتحملت، لم تزل تحتفظ بإرادة عظيمة لم تعبر عنها بعد، وهي قادرة على أن تفعل ما تريد، قادرة على أن تحدد مصيرها بنفسها، قادرة على أن تقول كلمتها الأخيرة.
ولم نعد بحاجة إلى قرار ضعيف متهالك يصدره مجلس الأمن، نحتاج بعده إلى عدة أشهر تحمل عدداً من القرارات، حتى نصل إلى إيقاف المجزرة، بل لابد من تحرك سياسي مسؤول، تقوم به الدول العربية، ولعل دول الخليج هي الأقرب إلى ممارسة دور سياسي جاد، خاصة أنها تحضر لاجتماع وزراي لوزراء خارجيتها قبيل اجتماع مجلس الجامعة العربية بالقاهرة.
الأمر بات مقلقاً في المدن السورية، والخوف بدأ يتفاقم من حدوث مذابح جماعية في الأيام القادمة، لكن الأمل بالله سبحانه أكبر، بأن يحفظ هذا الشعب الكريم، ويخرجه من هذه الكارثة الفاجعة.