العلوم واللغات كائنات حية تنمو وتتطور من خلال مراحل عمرية تصاعدية نحو الأفضل، وقد تمر بمنعطفات كالعوارض المرضية تعيق نموها أو تؤخره وتصيبه بالضعف والوهن فلا تنفك تجاهد للخلاص منه فيكون النجاح والفشل خاضعاً لنسب التقديرات. ومنابع العلم والمعرفة كالجامعات تدخل في دائرة هذه العوارض والحسابات، فالجامعات العالمية العريقة لم تصل لمرحلة النضج والبلوغ إلا بعد عراك وجهاد مرير مع الزمن وما يفرضه من معايير وقيم علمية عالمية لدرجات الصعود في سلم التصنيف الجامعي، وأي جامعة ناشئة لا تجعل أمام عينيها معايير الجودة في مناشطها كافة لابد أن تكون عرضة لقياسات التقييم (العالمي) التي لن تجاملها وتحابيها حتى وإن نالت (محلياً) شيئاً من ذلك. وهي وإن دونت ما منح لها من إطراء وأبرزته في واجهات مواقعها ومطبوعاتها وقاعاتها، فهذا لا يكون مقنعاً سوى لمن يرضى بالقليل وسد الرمق من التقدم العلمي لمنشأته العلمية، أو أنه جاهل بحجم القيم والمعايير لهذا التقدم. وهذا الصنف من القانعين قد يكون معذوراً إن هو بقي على قناعته، لكنه يلام كثيراً إن هو جند نفسه للذود عن هذه القناعات لديه، ومن سار مساره وأخذ بتدبيج المقالات والتصريحات تكريساً لهذه القناعة وحشد أكبر قدر ممكن من المنافحين عن مثل هذه القناعات التي انخدعوا بها ربما جهلاً منهم بحدود وأسقف المعايير لنضج الجامعات ثم يملونها على شرائح ممن يسيرون خلفهم جهلاً أو تجاهلاً تمليه قيم واهية من المجاملات والمنافع التي تزول بعد أن تكون الجامعة قد وضعت نفسها في درجة غير مرضية ولا مقبولة في سلم التقييم البحثي العلمي بكل فروعه وتشعباته. وإن أراد مثل هؤلاء تقريب الفكرة لأذهانهم فليبحثوا عن درجات تقييم جامعات هنا وهناك وحجم أرصدتها من المخرجات العلمية البحثية وما بحوزتها من الأرصدة المالية الوقفية من متبرعين، يدركون أهمية دفع أموالهم لمثل هذه الجامعات التي يكفي أحد أساتذتها بما يملكه من غزير العلم والعمل به في وسطه العلمي، ابتداء من طلابه مروراً بهيئة التدريس وصولاً لإدارة الجامعة وهيئتها العلمية والاستشارية ومجالسها ومراكزها العلمية والبحثية، أن يكون محل اطمئنان لأن يدير الجامعة بأقسامها. وخلاف ذلك في جامعات تظن أنها بلغت مراحل النضج، يتصرف فيها (بعض الأساتذة) مع طلابه بعكس المفاهيم السابقة، فلا هو ضليع في تخصصه ولا هو لطيف في تعامله، يربك القسم والعمادة بغريب تصرفاه، متردد في أطروحاته مشكك ومتشكك في مستويات ونوايا طلابه، يجيز اختباراً ويؤخر الثاني ويلغي الثالث في سلوك لا يوحي أحياناً أنك أمام أستاذ جامعي. وهذه المواقف والتصرفات المربكة للطلاب تعيد للأذهان ما يقال عن اجتياز أساتذة (من هنا وهناك) ما منحهم شهادات غير ذات قيمة علمية في مقاييس الجامعات العريقة ويزج بهم لتدريس طلاب متطلعين لآفاق العلم الحديث ليساهموا في بناء بلادهم وخدمتها فكرياً وعلمياً على أسس ثابتة متسلحين بعلم أكيد منبعه هيئة علمية تعليمية على قدر من المسؤولية والكفاءة العلمية البحثية، وفي أجواء وبيئات مشبعة برزانة وحكمة العلماء وأبوة الأساتذة وحنكة الإدارة الجامعية المستمدة من نظم وقواعد لا تحتمل الجدل والتفسيرات و(تقلبات الأمزجة).