في السنوات الأخيرة، شهد مجتمعنا تحولات ثقافية وفكرية، أثَّرت وغيَّرت في السلوكيات بصورة ملحوظة، وذلك في اعتقادي له أسباب عدة، من بينها: أنماط المعيشة المتغيرة التي تأثرت بالغلاء وتأثيراته على الفرد والأسرة، إضافة إلى تزايد سرعة وتقدم وسائل التقنية الحديثة التي أثرت في نقطتين هامتين، هما: «الإنتاجية» و»التفاعل»، ولا أقصد بالإنتاجية هنا معناها الاقتصادي المتعارف عليه والذي من خلاله يمكننا قياس التطور الاقتصادي فقط، بل أزيد عليه الناحية الاجتماعية، حيث لا يمكننا أبداً فصل الناحية الاقتصادية عن المجتمع والفكر والثقافة. أما التفاعل فأعني به التفاعل الاجتماعي بكل أشكاله، وما يتضمنه من توقعات لدور كل فرد في هذا المجتمع.
ومن الأمثلة على التغيرات المجتمعية التي أثرت بشكل جلي على مجتمعنا، النظرة السلبية لكل شيء، فإن كنت في مجلس يجتمع فيه الأسرة أو الأصدقاء، أو جلست أمام شاشة حاسوب، أو تابعت على إحدى الفضائيات برنامجاً ثقافياً، فأنا شخصياً لاحظت أنني أبحث عن الإيجابية فلا أجد، الكل أصبح ينظر للجانب الفارغ من الكأس بل وأفرغوا الكأس من أساسه ولم يعد هناك جوانب أخرى.
هذه الثقافة ترسخت بفعل عوامل «داخلية» و»خارجية» حولت المجتمع إلى سكة الاستسلام، والنظر لقضايا كالفساد على أنها ثوابت متجذرة لا يمكن الخلاص منها، ويكفي شجبها والدعاء على المفسدين كأقصى جهد يمكن أن يبذله الشخص. فلا أحد يريد أن يتعاون مع أجهزة حكومية للإبلاغ عن مفسدين، أو عن مطاعم ملوثة أو خطر قائم بسبب مقاول، لأنه يعتبر أن «الشق أكبر من الرقعة» ولا مجال للإصلاح.
وهنا أسأل إن كان الفاسد «يتبختر» بيننا بأمان، أليس ذلك أيضا بسبب تقاعس الإنسان الشريف عن الإدلاء بمعلومة لأي جهة يتبعها أو يرتبط معها الشخص الفاسد؟ ألا يعتبر ذلك أيضا سكوتاً وتستراً وفساداً؟ وكيف نحكم على كل شيء بالفشل قبل أن يبدأ، ولماذا نُقزِّم دورنا كمصلحين ومواطنين يمارسون مواطنتهم ولهم الحق في إبداء رأيهم والمساهمة في الإصلاح؟ وهذا أيضاً يتجاوز المواطن العادي ليصل إلى شريحة المثقفين والكتاب، الذين بعضهم مع الأسف لا يعرف زرع الإيجابية في نفوس الآخرين وربما مشوا في ركب الانتقاد اللاذع لأنه يحقق الجماهيرية الأكبر، وتركوا دور زرع الإيجابية، وهنا حتى لا يتم تأويل الفكرة، فزرع الإيجابية ليس المقصود به المديح والثناء، إنما الإيجابية التي تُحفِّز كل إنسان للقيام بدوره وواجبه، لأنه نتيجة لهذا سيحصل على حقوقه.
وحينما تأثر سلباً المواطن الإنسان -إنتاجية وتفاعلاً- كما أشرت في بداية هذا المقال، تم استغلال تلك الفجوات، وقام بعضهم بتمرير أفكار هدامة مغلفة بذكاء داخل علب فاخرة، تستغل حاجات الإنسان الطبيعية لشحذ الهمم وربما تجنيدها لأعمال ضد الوطن كما حصل لبعض الشباب الغر الذين تم استغلال توقد أنفسهم وحاجتهم لمن يملأ أرواحهم بالقوة وإن كان في طريق خاطئ فالمؤثرات جعلته لا يرى خطأه! ولن أذهب في المقارنة بعيداً، إنما إلى بعض الدول القريبة والمجاورة، في صحفهم ومنتدياتهم لاحظت دور الكتاب والصحافيين والمواطنين جميعهم في التفاعل مع الجهات الحكومية وإعطاء كل ذي حق حقه، ولم يغفلوا عن توضيح السلبيات وتقديم النصح والمشورة والحلول، بينما نحن لا نتعامل مع حتى أمورنا المجتمعية سوى المثل القاتل «أبو شق ورقعة!».
وبطبيعة الحال، لن ننتظر سلوكيات إيجابية أو تفاعلاً من أناس تسهر طوال الليل لتنتقد وتصحو الصباح على كدر السلبية والتعطل، ولا أعتقد أن موظفاً ينتقد كل الجهات بما فيها جهته دون أن يتحرك ويبدأ بنفسه، ويعترف أنه سبب رئيس في تعطل المنظومة، فبعضنا أسود في الانتقاد وفي الإصلاح نعامة!
www.salmogren.net