صبيحة هذا اليوم قرَّرت أن أحتسي قهوتي في مطعم الفندق الصغير، وأتسلى بقراءة الصحف المحلية؛ فالحرارة كانت عالية نوعاً ما، وكذلك نسبة الرطوبة، ولا أمل لي في التنزه على الشاطئ. وبالفعل أخذت مكاني على إحدى الطاولات، وحضرت قهوتي السوداء، وكان النادل من الذكاء؛ حيث تمكن من قراءة أفكاري؛ فأدار المذياع على أغنية لفيروز (أنا لحبيبي وحبيبي إلي.. يا عصفورة بيضا لبقى
تسألي..). لاحت مني التفاتة إلى طاولة بقربي، تجلس عليها سيدة تضع سلسلة بعين زرقاء، وكذلك السيدة على الطاولة المقابلة.. وطبعاً هذه السلسلة يراد بها اتقاء شر العين.. ذكَّرتني هاتان السيدتان بإحدى زميلات العمل؛ فلم نسمع عنها خبراً مفرحاً منذ تعيّنت إلا وتعلوها علامات الكآبة دائماً، وتحجم عن ذكر أية محاسن في نفسها أو حياتها.. كنا نستغرب كثيراً منها إلى أن عرفنا السبب.. فزميلتنا المصون تخاف من العين؛ لهذا تخفي كل أمر مفرح، ولا تُظهر سعادتها للآخرين، ظناً منها أنها بذلك تقي نفسها من سهام أعين الحاسدين. في أحد الأيام أُجبرتْ على البوح بأمر زواجها؛ فهذا الأمر لا يخفى، وطُلِّقت بعد فترة، والسبب - في رأيها - هو العين الحاسدة التي أصابتها..
وفي المقابل زميلة أخرى متوازنة في الحزن والفرح، في الكلام والصمت.. عرفت أن العين حق، ودواء هذه العين قراءة المعوذات والأذكار، وتؤمن بالقضاء والقدر.. وحدث أن أجهضت حملها؛ فحزنَّا لأجلها كثيراً؛ فقد كانت تنتظر هذا الحَمْل منذ سنوات، وبعد أن تماثلت للشفاء وعادت إلينا كانت تقول بكل تسليم ورضا «الحمد لله، هذا قضاء رب العالمين».
للأولى أقول: العين حق، ولكن الإيمان بالقضاء والقدر أحق؛ فانفضي عنك فوبيا العين لتسعدي. وللثانية أقول: لله درك ما أروعك.
الرياض