معركة التنمية التي نخوضها تتطلب منا الحرص على اختيار المسارات التنموية التي تناسب بيئة المملكة ومواردها الطبيعية، فليس كافياً أن نقيم مشروعات تنموية بأي ثمن حتى لو كانت على حساب البيئة أو لا تتناغم مع الموارد الطبيعية لبلادنا.
ومشاريع التنمية ليست هي فقط ما تقيمه الدولة من بنية تحتية كالطرق والمطارات والصرف الصحي وغيرها وإنما أيضا المشروعات التي يقيمها القطاع الخاص بهدف تحقيق الربح.. وقد أصبح القطاع الخاص لاعباً رئيسياً في الاقتصاد السعودي حيث بلغت مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي 48.8%. لكن مشكلة القطاع الخاص وميزته، في الوقت نفسه، هي أنه يتمحور حول «الربح».. ولذلك فهو غالباً ما يبحث عن التقنيات الإنتاجية التي تحقق له أقصى الأرباح بغض النظر عن تأثير هذه التقنيات على البيئة ما لم تكن هناك أنظمة تجبره على مراعاة معايير بيئية معينة.
إن وجود هذه الأنظمة والمعايير مهمٌ جداً.. فمن السهل اتهام القطاع الخاص بالجشع وغياب الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية، لكن الصحيح أن شروط اللعبة الاقتصادية هي التي تحدد -في نهاية المطاف- كيف تتم الممارسة الاقتصادية.. فحين لا تكون لديك أنظمة واضحة وصارمة فإن المنافسة بين المنتجين الاقتصاديين تدفع حتى أكثر هؤلاء المنتجين نزاهة وحرصاً على المصلحة العامة إلى التركيز أولاً وأخيراً على أرباحه مهما كانت العواقب البيئية واعتبارات المصلحة العامة لأنه إذا لم يفعل ذلك فسوف يجد نفسه خارج السوق خلال مدة زمنية لن تطول بعد أن يبتلعه منافسوه.
أعرف أن هناك، في القطاع الخاص وفي غيره، من يحاول الالتفاف على الأنظمة ومن لا يمارس العملية الاقتصادية بنزاهة، ولكن دور الأنظمة هو الحد من هذه الممارسات ومعاقبة من يرتكبها.. وكلما كانت الأنظمة شفافة وعادلة ولا تستثني أحداً أدى ذلك إلى تقليل الممارسات الخاطئة.
نحن كثيراً ما نلوم القطاع الخاص على أشياء كثيرة، ولكن من الإنصاف أيضا أن نلوم الجهات التنظيمية والتنفيذية الرسمية أولاً على عدم ممارسة أدوارها بالقدر اللازم وبالشكل المناسب.. ولا أظن أن هناك مخالفة يرتكبها القطاع الخاص إلا بسبب تقصير جهةٍ رسميةٍ ما في أداء دورها. ويساعد في ذلك تداخل الأدوار والاختصاصات بين الجهات الرسمية نفسها..!
إن أي قراءة عجلى لتاريخ الثورة الصناعية في أوروبا لابد أن يخرج منها المرء بنتيجة مفادها أن العامل الربحي في الاقتصاد بقدر ما هو قاطرة تشد هذا الاقتصاد إلى الإبداع والنمو فإنه يمكن أن يجر الويلات والكوارث على المجتمع والبيئة إذا غابت الأنظمة والمعايير.. وقد تعلمت أوروبا الكثير من الدروس عبر تاريخها الصناعي وانتهت إلى ضرورة إيجاد تشريعات تضبط الممارسة الاقتصادية. ومن اللافت، زمن الحرب الباردة ووجود أوروبا شرقية شيوعية وأوروبا غربية رأسمالية، إن أوروبا الغربية كانت أكثر تقييداً وضبطاً للعملية الإنتاجية داخل مصانعها وتوفيراً للسلامة المهنية للعمال في تلك المصانع من أوروبا الشرقية التي كانت أنظمتها تزعم أنها تحكم باسم الطبقة العاملة!
ولكي لا يفهم أحدٌ هذه السطور على نحو خاطئ، لا بد من التأكيد أن هذا ليس دفاعاً عن القطاع الخاص بقدر ما هو مطالبة بسد جميع الثغرات القانونية التي ينفذ منها الفساد والممارسات الخاطئة.. وهذا دور الجهات الرسمية قبل أن يكون دور القطاع الخاص.
alhumaid3@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض