يستمد الإنسان؛ من خلال التراث والثقافة؛ علاقته بالبيئة، وقدرته على التواصل الثقافي والإنساني والحضاري؛ وبغض النظر عن التطور الكبير الطارئ على المجتمعات الإنسانية، إلا أن القيم الثقافية، والمعرفة، والتراث الأصيل يُشكلون فيما بينهم القاعدة الصُلبة التي تنطلق منها برامج التطوير، ومشروعات البناء الحضاري.
الاهتمام بالجانب المادي على حساب الجانب الثقافي قد يؤدي إلى انفصام في المجتمع، والبعد عن الجذور، التي يفترض أن تكون وثيقة الصلة بالتنمية الإنسانية والمكانية.
أولت الحكومة السعودية جانب التراث والثقافة اهتماما كبيرا، وعملت جاهدة على ربط المدنية الحديثة، والتنمية الشاملة بثقافة الوطن، وتراثه الجميل؛ المهرجانات الوطنية للتراث والثقافة التي يقوم على تنظيمها؛ بكفاءة؛ الحرس الوطني؛ تؤكد على الإهتمام البالغ الذي توليه القيادة السعودية بالتراث والثقافة والقيم الأصيلة. في الغالب، ترتبط المهرجانات الثقافية بالمؤسسات المدنية المسؤولة عن إحياء التراث؛ إلا أن «الحرس الوطني»، المؤسسة العسكرية الرائدة، أخذت على عاتقها تنظيم مهرجان وطني للتراث والثقافة، جمعت فيه بين واجباتها العسكرية الحساسة، ومسؤوليتها تجاه المجتمع، وتراثه الأصيل. قدم الحرس الوطني؛ من خلال مهرجاناتها السنوية؛ رسالة حضارية راقية لأفراد المجتمع، ضُمَّت إلى مهماته العسكرية في الدفاع عن أمن الوطن، وعقيدته، واستقراره.
اليوم يُنظم « الحرس الوطني» الدورة السابعة و العشرين للمهرجان الوطني للتراث والثقافة؛ يَحتَفِل، ونَحّتَفِلُ معه بالتطور الكبير الذي شهده المهرجان، ونجاحاته المُحققة في دوراته السابقة. ربع قرن من الثقافة والإبداع نجح فيها المهرجان في إبراز أوجه التراث الشعبي، والتأكيد على القيم الدينية والاجتماعية؛ وترسيخ العلاقة بين ماضي الأمة وحاضرها، إضافة إلى تقديم البرامج و الفعاليات الثقافية و التراثية، وتفاعله مع القضايا الملحة من خلال الندوات والمحاضرات والتواصل الثقافي والإنساني بين مفكري الأمة، أُدبائها، وعلمائها. تُبنى الاقتصادات المتطورة على المعرفة، وتبادل التجارب والثقافات، وأحسب أن مهرجان الجنادرية أسهم في تحقيق جزء من هذا الجانب، وأسهم أيضا في نقل الصورة الحقيقية عن المملكة، واقتصادها الفتي، وتنميتها الحديثة للمشاركين من الدول الأخرى، والإعلام الخارجي. الجانب السياحي وانعكاساته الاقتصادية على المجتمع، من النتائج الإيجابية للمهرجان، الذي يُصَنَّف ضمن الفعاليات المهمة على مستوى المملكة، ودول الخليج، ما جعله قبلة للسائحين، والمهتمين في شؤون الثقافة والتراث؛ الإنعكاسات الإيجابية على البيئة الحاضنة للمهرجان، واقتصاديات الأسر المُنتجة، باتت جلية للجميع، ما يجعلني أكثر حرصا، ومطالبة بإقامة سوق دائمة للمنتجات التراثية، ولدعم الأسر المُنتجة طوال العام، أو أن يُحدد يوما من كل أسبوع لإقامة سوقا يضم المنتجات الشعبية، والحرفية في موقع الجنادرية؛ فمدينة الرياض في حاجة ماسة للمناطق السياحية، والأسواق الحاضنة لمنتجات الحرفيين والحرفيات، ولتشجيع الأسر المُنتجة على العمل والكسب، حيث يُشكل عملها دعما للتراث والثقافة، في الوقت الذي تُمثل لها «الجنادرية» منفذا لتسويق مُنتجاتها وتوفير الدخل المالي. تحول منطقة الجنادرية، بسبب المهرجان، إلى منطقة جذب سياحي، وقبلة للملايين الذين وجدو فيها المُتعة والثقافة، والارتباط بالجذور؛ جَعَلَ منها « حاضنة استثمارية» للمشروعات التراثية، والصناعات اليدوية، وداعمة لعمل المرأة من خلال الاستثمار المباشر، وإن كان محدودا بفترة المهرجان، إلا أنها فترة قد تحقق للمشتغلين فيها أرباحا كافية لصناعاتهم اليدوية التي عَمِلوا على إنجازها خلال العام. استثمار القطاع الخاص في منطقة الجنادرية بات مطلبا ملحا، فاكتمال الخدمات، وانتشار المعارض، واكشاك بيع المنتجات التراثية،والمطاعم الشعبية والمقاهي، والاستراحات والحدائق العامة وأماكن الترفيه قد يدعم ازدهار المنطقة على مدار العام؛ ويجعل منها معلما سياحيا ومركزا اقتصاديا للحرفين والحرفيات، والأسر المنتجة. الأكيد أن الوطن بمكوناته قد حقق مكاسب كبيرة من إقامة المهرجان الذي تحول إلى جامعة تُراثية ضربت جذورها في أرض المملكة، وامتدت أغصانها لتُظلل مناطق مختلفة من العالم؛ أجزم بأن مهرجان الجنادرية بات يُمثل فعالية أقليمية وعالمية أسهمت في ترسيخ العلاقات بين الدول، إضافة إلى إسهاماته المتميزة في جانبي التراث والثقافة، وإيصال رسالة الإسلام، والسلام من أرض الحرمين وقبلة المسلمين.
f.albuainain@hotmail.com