مما لا شك فيه من أن الإرهاب يُعَدُّ في وقتنا المعاصر من أكثر الآفات تعطيلاً للمجتمع وتدميراً لمقوماته، وإذا كان المثلث الذي كانت تعاني منه المجتمعات «الفقر، الجهل، والمرض» هو الأكثر تهديداً في الأزمنة المنصرمة، فإنَّ الإرهاب أصبح الضلع الرابع الذي يكمل هذه المعوقات المعطلة للبشرية. وبما أنَّ الجهل والفقر من الدوافع التي تسهل وتنمي ثقافة الإرهاب، فإنَّ إحدى الوسائل الناجعة للتصدي لهذه الظاهرة الآخذة في التنامي -بعد تفشي ثقافة العنف والكراهية- هو توظيف واستثمار الطاقات الإبداعية والنبيلة للإنسان للتصدي للفعل السلبي.
ومثلما انتشر الإرهاب لتفشي ثقافة العنف والكراهية، فإنه يصبح وفي موازاة ذلك توظيف الثقافة الإيجابية لزرع ونشر النوازع البشرية التي تولد مع الإنسان، فإنْ وجدت الرعاية والاهتمام أثمرت قيماً تعزز «سليقة» الإنسان في حب الخير ومواجهة الشر.
وهنا تظهر أهمية توظيف الكلمة لإنتاج فعل مؤثر في المجتمع، وصياغة الكلمة وتوظيفها لإنتاج فعل مؤثر ضمن صنوف الإبداع سواء اتخذ طابع السرد أو الشعر، وحتى الدراسات المتعمقة فلابد وأن تسهم في تهذيب سلوك الإنسان. وكما يواجَه المرض بالوقاية والعلاج، فإن مواجهة الجهل لابد أن يتم بالعلم. ولهذا، ومثلما للطب والتوسع في إقامة المشافي ودور للعلاج والقضاء على المرض، فإن التوسع في نشر دور العلم، العلم النقي الذي يستهدف غرس القيم وتعظيم قيمة الحياة، لابد وأن يواجه الجهل.
وكما نعرف أن للعلم أوجهاً وصنوفاً عدة، ولكن في حديثنا هذا الموجه للتصدي للإرهاب لابد من التركيز على التوسع في توظيف الكلمة والتي هي أساس المخزون الفكري الإنساني الحاضن لتخصصات عدة ومتنوعة يأتي الأدب في مقدمتها، فهو الوعاء الضام لكل هذه الأصناف.
وفي مجال مواجهة الإرهاب يبرز دور الأدب وأهميته كوعاء شامل لكل صنوف وفروع الإبداع القادر على توظيف الكلمة الطيبة في مواجهة الإرهاب والفكر المنحرف.
من هنا تلقيت وكثير من المثقفين بل وكثير من المواطنين تنظيم كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مؤتمر الأدب في مواجهة الإرهاب، والذي سيتم من خلال جلسات علمية على مدار ثلاثة أيام استعراض تجارب العديد من المفكرين والأدباء في المملكة والعديد من الدول العربية في التصدي لثقافة العنف والإرهاب والكراهية، يكشفون فيه أثر الكلمة الطيبة في فضح الكلمة الخبيثة، ودعم ثقافة التسامح ورفض العنف بأشكله المختلفة، دعماً لثقافة الحوار الذي تعمل المملكة على إشاعته في كل المجالات.
ويكتسب المؤتمر أهمية خاصة كونه يُعقد في رحاب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والتي سبق لها أن نظمتْ مؤتمرات ولقاءات تهدف إلى محاصرة الإرهاب ومواجهة ثقافة العنف، مما يلغي محاولات ما يعمل إليه كارهو المملكة من خارجها على إلصاق صورة نمطية كاذبة على هذه الجامعة بزعم احتضانها للتطرف وأنها محضن للإرهابيين.
عقد هذا المؤتمر وما تقوم به الجامعة من تحرك تنويري وتقديم العلم النقي بقدر ما يلغي تلك الصورة النمطية التي يروج لها أعداء المملكة، تسهم في تنوير وتثقيف المجتمع وتقديم الصورة الصحيحة للفكر الإسلامي الذي يدعو للتسامح ورفض العنف بكل أشكاله.
jaser@al-jazirah.com.sa