من أجل تفعيل العمل التطوعي في مجتمعنا لا بد من نشر ثقافة العمل التطوعي التي تدفع نحو المشاركة الجماعية في أي مجال من مجالات العمل التطوعي وميادينه المختلفة، فالثقافة التطوعية هي الركيزة الرئيسة نحو إيجاد الأرضية الملائمة لنمو شجرة العمل التطوعي، وتقوية روافده، وتفعيل أنشطته.
يظل مفهوم العمل التطوعي بحاجة إلى مزيد من الدعم من بيئة المجتمع العامة ومن البيئة الأسرية والبيئة التعليمية وأيضًا من المساجد ووسائل الإعلام المختلفة، لأنَّه لم يصل حتَّى الآن إلى أن يكون ثقافة مجتمعية عامة كما هو الحال في العديد من البلدان غير العربية، وبعيدًا عن توجيه الاتهامات بالتقصير لهذه الجهة أو تلك.
ثقافة التطوع في مفهومنا العربي لم تتبلور بعد، فعندما نرى العمل التطوعي ومجالاته في الخارج وعدد المتطوعين ونقارنه بعالمنا العربي نجد الفروق الكبيرة فيما بينهم من هذا المنطلق سأتحدث عن هذا المجال الذي يُعدُّ من وسائل استغلال الوقت المفيدة وكسب الأجر من الله سبحانه والعلاقات الاجتماعية.
تعريف العمل التطوعي:
هو العمل والمجهود الذي يقوم به الفرد تجاه أسرته ومجتمعه وأمته ولا ينتظر تجاهه مقابل ويكون هذا العمل اختياريًا وتطوعًا من الفرد. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن لله عبادًا اختصهم بقضاء حوائج الناس حببهم في الخير وحبب الخير إليهم إنهم آمنون من عذاب يوم القيامة).
دوافع التطوع ومبرراته:
1 - الدين وحثّ رسولنا الكريم على المساعدة لما فيها من أجر عظيم، وقال الله تعالى: (مَنْ تَطَوَّعَ خيرًا فإن اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ). قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا).
2 - صفة الإيثار التي نادرًا ما نجدها وهي التي تحثه وتجبره على مساعدة غيره وتقديم العون لهم.
3 - كسب الخبرات والمهارات المتنوعة وتعلم كل ما هو جديد.
4 - تحسين العلاقات الاجتماعية، فالمتطوع سيلتقي بغيره من المتطوعين ويتم التعارف بينهم وبالتالي كسب علاقات اجتماعية مميزة وقائمة على الخير والمساعدة.
5 - شعور الفرد بأنه عضو فعاّل ومنتج ومساعد في المجتمع.
والشعور بأهميته والإحساس بالذات وهذا بدوره يبعث شعور بالراحة النفسية وعدم الإحباط لو كان الفرد عاطلاً عن العمل.
6 - شغل أوقات الفراغ بما ينفع ويفيد.
7 - أن يكون المتطوع قدوة حسنة بين إخوانه وزملائه فيتشجع من حوله للقيام بمثل هذا العمل وتكون لدينا أمة منتجة وصالحة ومترابطة.
8 - قد يدخل العمل التطوعي ضمن وراثة الأرض وأن يكون المجتمع المسلم مجتمعًا فعالاً منتجًا.
معوقات التطوع:
المعوقات أنواع قد تكون من المتطوع نفسه أو من الجمعية والمنظمة الخيرية ومن أهمها:
أ- معوقات خاصة بالمتطوع والمجتمع:
1 - عدم تحمل المسؤولية وشعوره بأنه غير ملزم بهذا العمل بعكس العمل الرسمي.
2 - عدم إيجاد أوقات فراغ للتطوع.
3 - التسيب والاستهتار من قبل المتطوع.
4 - التنشئة الأسرية التي أصبحت تهتم فقط بالتعليم دون زرع روح التطوع وبث الانتماء ومساعدة الآخرين.
5 - مناهج وأنشطة المدارس والجامعات تكاد تكون خالية من كل ما يشجع على العمل التطوعي الحقيقي.
6 - الضغوط الاقتصادية التي يعاني منها معظم الشباب من الأسباب التي تدفع البعض للبحث عن عمل والانخراط به.
7 - يظن البعض أن التطوع مضيعة للوقت والجهد وهذا مع الأسف مفهوم خاطئ.
8 - عدم الاستعانة بوسائل الإعلام المختلفة وتقصيرها في عدم نشر ثقافة التطوع.
ب - معوقات خاصة بالمنظمة الخيرية:
1 - عدم وجود إدارة واعية ومهتمة بالمتطوعين من ناحية وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
2 - تكون الإعلانات محدودة ولا تصل إلى شريحة من المهتمين بهذا المجال.
3 - عدم وجود برامج للتدريب تؤهلهم وتدربهم قبل قيامهم بالأعمال التطوعية.
4 - عدم تقدير الجهد الذي يبذله المتطوع والثناء عليه وشكره وعدم إعطائه شهادات تقدير.
5 - اكتفاء المنظمة بعدد قليل من المتطوعين وعدم رغبتهم في إدخال عناصر ولا أعضاء جدد.
مفهوم التطوع عند العرب حاليًا:
ارتبط مفهوم التطوع لدى البعض أنه عمل بلا مقابل ومجهود لا فائدة منه لأنَّه من دون راتب ولا مال كما ذكرنا ببعض المعوقات ولكن الأهمية والدافع الأول لهذا العمل هو الأجر من الله وبقية المبررات التي ذكرت أعلاه.
عدد المتطوعين قليل إما بسبب معوقات شخصيه أو من المنظمة، لكن إذا ما قارنّا الاهتمام بالتطوع من ناحية النشاطات والإعلانات وعدد المتطوعين بالغرب والدول المتقدمة سندرك أننا متآخرون جدًا عنهم في هذا المجال. مع أن ديننا الإسلامي حثنا عليه ورغب إليه.
مفهوم التطوع بالإسلام:
الإسلام يحث على عمل الخير أيًا كان نوعه والتطوع من أهمها وأجلّها، كما أنه لا يحث عليها فقط، بل أوضح الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم الأجر لفاعل الخير قال الله تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً} المزمل 20، هنا دليل على أن تقديم الخير هو خير لكم وأجر عظيم عند الله، قال الله تعالى: {وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ }. {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ}. وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: (أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ، سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربة أو يقضي عنه دينًا، أو يطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلى من اعتكف في هذا المسجد شهرًا ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتَّى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام، وأن سوء الخلق يفسد العمل.. كما يفسد الخل العسل) صححه الألباني.
التطوع عند الغرب:
يهتم الغرب بالتطوع بشكل كبير ومن أبرز الإحصائيات التي تثبت ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية:
- تطوع أكثر من 94.2 مليون شخص.
- كان معدل ما تطوع به الفرد الواحد 4.2 ساعة أسبوعيًا.
- مجموع عدد الساعات التي قدمها المتطوعون 20.5 بليون ساعة.
- كان معدل ساعات التطوع موازيًا لعمل 9 ملايين موظف.
- بلغ مجموع ما تطوع به من وقت قيمة 176 بليون دولار أمريكي.
وتقام هناك دورات وندوات عن أهمية هذا العمل، وألفت له العديد من الكتب ويسمى المتطوعون هناك «وعد الأمة» أو «مستقبل الأمة».
في بريطانيا: 22 مليون شخص يشاركون بالتطوع الرسمي كل عام. عشرة ملايين شخص يتطوع كل أسبوع بما يساوي 90 مليون ساعة عمل.
وتقدر القيمة الاقتصادية للتطوع بـ 40 بليون جنيه استرليني سنويًا.
ستة من عشرة من المتطوعين قالوا: إن التطوع قدم لهم فرصة تعلم مهارات جديدة.
90 في المئة من السكان يتفقون حول أن مفهوم المجتمع الذي يتطوع أفراده هو مجتمع يعتني بعضه ببعض.
80 في المئة من الناس يرفضون فكرة كون المتطوع أقل كفاءة من الموظف العامل بأجر. سائلاً الله أن يوفق الجميع لصالح الأعمال.
* مستشار قضائي وأستاذ أكاديمي وعضو التحكيم وعضو المصالحة.