البكاء على الهواء في المحطات الفضائية وحتى الحكومية أصبح تجاوزاً تسمح به التلفزيونات الحكومية والأهلية وتمرره بعد أن كانت التلفزيونات الرسمية تتمسك بتقاليدها الإعلامية التي تجرد منسوبيها من أن يكونوا طرفاً في الحدث، وعليهم أن يتجردوا من عواطفهم خشية اعتبارهم شركاء في النزاع أو أن يتحولوا إلى الإملاءات والمواقف الشخصية...
التلفزيون السعودي سمح لمذيعة الأخبار أن تبكي ويتحشرج صوتها على منظر شبه مكرر لأب يشاهد ابنه الطفل يُقتل أمامه ويعجز عن حمايته، يطلق النار عليه أحد قناصة وشبيحة بشار الأسد بدم أبرد من أجوائنا هذه الأيام... ومن زاوية أخرى صورة أخرى سمحت محطة الجزيرة للملاسنة والشتائم واللعن وعبارات ساقطة وتعنيف بين المثقف اللبناني جوزيف أبو فاضل والأديب محيي الدين اللاذقاني لتنتهي بالملاكمة والعراك والتشابك بالأيدي على الهواء...
الحقيقة أن الملاسنة والعبارات التي يغترفها بعض الأدباء والنخب المثقفة من المياه الآسنة في الحوارات التلفزيونية نسمعها في المسلسلات المدبلجة والعربية، تسمح بها بعض المحطات الرسمية كنوع من الشد وحرارة الحوار دون مرعاة للجانب الأخلاقي والمسؤولية المجتمعية وما نسمية بالتربية الإعلامية والأخلاقية المهنية...
الطرح الإعلامي العربي تغير في السنوات الأخيرة عندما تحولت المنطقة العربية إلى مسرح وساحة للقوات الأجنبية، بدءاً من الغزو الأمريكي واحتلال العراق دون الحصول على تفويض من الأمم المتحدة ومجلس الأمن وانتهاءً بصمت العالم على جرائم بشار الأسد وما يفعله بشعبه باعتباره حرية شخصية ومطلقة للحاكم العربي أن يفعل ما يشاء بشعبه... وهنا لا أبرر للإعلام العربي بنقل الشتائم على الهواء وإن كان هذا جزء من المرحلة الصعبة التي يمر بها الوطن العربي، وأيضاً لا يمكن تحميل اللوم للمذيعة السعودية إذا بكت على الهواء وخالفت التقاليد الإعلامية التي تتطلب رباطة الجأش والتجرد من العواطف أثناء الأداء، فالمذيعة السعودية جزء حقيقي من الحدث لأنها مكملة للصورة ولأن الجريمة بشعة. الرئيس بشار الأسد يقتل بوعي ومنهجية ويستهدف الأطفال ليحرق قلوب الآباء والأمهات ويتعمد قتل الأطفال أمام آبائهم وأمهاتهم لأن الطفل صيد سهل وغير قادر على حماية نفسه، أيضاً إمعاناً بالحقد والكراهية وتغلغل الإجرام... أما ملاسنة وشتائم النخب المثقفة من الأدباء والمثقفين والسياسيين فهي صورة تكمل الواقع العربي الذي استيقظ على غزو العراق غير المبرر والدماء التي سالت على ضفتي دجلة والفرات والآن على سهوب الهلال الخصيب دون أن يكون هناك حماية للمواطن العربي والكرامة العربية...