اعتدنا أن تكون عبارة «محاسبة المقصر» جاهزة بعد كل مصيبة، أو مخالفة، أو تجاوز مؤذي يقع في بعض المرافق التي عادة ما يطالها شيء من التهالك والبلى والوهن، حتى تتهاوى على رؤوس أهلها، أو تضطرم فيهم نار، أو يدهمهم سيل غادر، أو غرق أليم..
فعبارة «محاسبة المقصر» باتت أسطوانة مكررة، إلا أنها لا تزال تتردد بقوة ووضح، فحينما يقف أي مسئول حلت بإدارته، أو قطاعه أي مصيبة يحيل الأمر إلى معزوفة الأسف للجميع، والوعد بأن لا يتكرر مثل ذلك، مصحوباً قدر الإمكان بحالة من الوعيد لمن يثبت أنه مقصر!!
إلا أنك حينما تتابع وتستقصي منعرجات هذا الخطاب وتداعياته تجده قد ذهب في طرق بعيدة، أو ذرته حوافر التسويف والاستهلاك اللفظي حتى بات الوعد بمحاسبة المقصر حديث ممل، ليتحول هذا المقصر مع الوقت إلى شبح لا تستطيع الإمساك به.
وحينما تشرع في تحديد كنه المتسبب على نحو الفاعل في أعطال وحرائق بعض المرافق ستجد أن أشباح فرضيات أخرى تنتظرك، إذ ستكتشف أن الأدوات المستخدمة في توصيلات الكهرباء على وجه الخصوص هي الخطر الماثل دائما، لأن ما يستخدم منها في المباني والإنشاءات قد يكون نوعيات رديئة وضعيفة التحمل، والسبب يمكن أن يعاد إلى أن «إدارات المشتريات» في بعض القطاعات تعتمد أقل العروض حتى وإن كان رديئاً.
فالبحث عما هو منخفض التكلفة، أو «الرخيص» بمفهومنا العام حتماً سيجر معه الكثير من المشاكل، لأن السوق الذي تتعامل مع هذه القطاعات يبحث عن الكسب حتى وإن سَوَّق المواد الرديئة، أو ضعيفة الكفاءة، كما أن بعض الجهات ذات الصلاحية لا تنظر -للأسف- للجودة والمتانة بقدر ما تبحث عن توقيع عقد بأقل التكاليف.
حريق التوصيلات الكهربائية وانفجار القواطع و(الطبلونات) وتلف خطوط التغذية الرئيسية غالباً ما تكون هي الخطر المحتمل، ومن يعتمدها بالشراء والتركيب نجزم أنه المتسبب، ويجب أن يحاسب، إلا أن الأمر غالباً ما يدخل في دائرة الروتين، وتشابك الشواهد والتجاذبات الطويلة: من المخطئ؟ ومن المجتهد؟ حتى تدخل القضية نفق النسيان، ويرحم الله من يدفع ثمن هذه الأغلاط الفادحة ويعوض ذوي المصابين خيراً في كل حادث يكون المتسبب أثناء وقوعها منهمكا في ترسية مناقصات سيئة المواصفات وغاية في التهالك.
hrbda2000@hotmail.com