في هذه الحقبة يعيش العالم العربي حالة استثنائية لم يعهدها من قبل، ثورات قلبت الأمور رأساً على عقب، أطاحت بأنظمة تسلطية لم تسمع لنداءات الإصلاح وتلبية حاجة الشعوب الضرورية، تدفعها وسائل الإعلام الحديثة واسعة الإنتشار. نعم الركون وعدم الاستجابة لنداءات التحديث والتطوير ومواكبة العصر يفضي لنشوء الأحداث السلبية والاضطرابات السياسية والمجتمعية، وتكون تكأة للتدخلات غير المرغوب فيها. نحن في هذا البلد الأمين والآمن في منأى عن هذه الحوادث ولله الحمد بفضل الله ثم بفضل حكمة قيادتنا وتبصرها لعواقب الأمور؛ لكن ليس لدينا مواثيق ربانية موثقة، تضمن عدم وصول التيار الهائج من حولها؛ غير مراقبة المولى في السر والعلن في كل صغيرة وكبيرة من أمور دنيانا. الدولة تحاول قدر المستطاع محاربة الفساد، وهي دون أدنى شك ماضية في هذا الطريق، وتحاول أيضاً تحديث الآليات القديمة في شتى المجالات. استشعر ولي الأمر أهمية الوقوف على مكامن الخلل في بعض الأجهزة الحكومية وسارع في التغيير لعل وعسى، فقومت أنظمة وإجراءات قديمة لا تواكب العصر، وبدل وزراء تناغماً مع المرحلة الآنية الحساسة، لكن ثمة مسألة مؤرقة طالما كانت حديث الشارع، هي آفة التمديد لسنوات قد تصل لمجموعة خدمات موظف جديد. النظام الحالي يتيح التمديد لكبار المسئولين ممن هم على نظام الخدمة المدنية لمدة خمس سنوات، بعدها التمديد بنسبة 40 في المئة من الراتب لسنوات غير محددة تصل لحد الزهايمر (الخرف) وأصحاب الكفاءات تزحف بهم الأيام والسنون لليوم التقاعدي المحتوم. لك أن تتصور أن كثيراً من المسئولين الذين باتت الوظيفة في ظنهم حقاً مكتسباً لهم لا ينازعهم فيه منازع، يتحدثون معك بفوقية تشعرك بمرارة التمديد، هؤلاء المسئولون، بطريقتهم تلك يسلبون الناس حقوقهم وإن لم يقصدوا ذلك في الحقيقة. القاسم المشترك والمغذي لهذه الآفة هو «المحسوبية» و»العلاقات الشخصية»، ليست الجدارة إلا ما ندر، وهو أمر مشاهد في أغلب مؤسساتنا الحكومية، والتي معظمها تعيش هذا المرض العضال، المسئول الممدد في الوظيفة، يحيل ثلة من زملائه للتقاعد وهو قاعد! تلك مفارقة عجيبة، هذه واحدة. والأخرى مسألة التجميد الوظيفي لم يزل هو أس المعضلات التي لم تجد لها وزارة الخدمة المدنية بقياداتها المتضخمة وظيفياً حلولاً جذرية، وهي غير مستعصية، لكن يبدو أن الغالبية يروقهم هذا الأسلوب الاستعبادي المرفوض. وثالثة الآثافيمسألة حجز الوظائف العليا للبعض سنوات على حساب المستحقين والمجمدين. لماذا لا يتم تحديث هذه الأنظمة البالية في نظام الخدمة المدنية؟ لماذا يجمد أصحاب المؤهلات والخبرات العالية والخدمات الطويلة في مراتبهم مدداً طويلة؟ أليس هذا هو الظلم بعينه؟! أليس هذا يدخل في مهام هيئة مكافحة الفساد؟ البعض ممن بلغ به العمر عتياً وهو على خط التماس، يهمش في ريعان وفتوة شبابه، وقد يكلف بوظيفة قيادية في آخر سنيات عمره الوظيفي، ليقال أنه تم تكريمه، مما يعني تجاهل مصلحة العمل. أريد أن أطرح هذه المشكلة الأزلية (التمديد والتجميد والحجز) على الجهات ذات العلاقة وخصوصاً وزارة الخدمة المدنية بقيادتها الجديدة، لعلها تحدث آلياتها العتيقة وتنصف المظلومين، لتجنب المجتمع الاحتقان المفضي للعواقب غير الخافية. الضرورة تقتضي تقنين الظفر بالمراتب العليا ووضع نقاط التفوق النظامية، أساساً في التقييم، بعيداً عن الترشيح التلقائي الانتقائي الخاضع في الدرجة الأولى لأهواء المسئول. بقي القول أن هذه المقالة المجردة؛ هي رؤية أدغدغ بها مشاعر المسئولين بالخدمة المدنية، الذين يفترض أنهم مسئولون عن المستقبل الوظيفي لمنسوبي الدولة... ودمتم بخير.
dr-al-jwair@hotmail.com