حينما بدأت قناة الجزيرة القطرية بثَّها في أواخر عام 1996 أتاحت للمشاهد العربي نافذة جديدة يطل من خلالها على مشهد مختلف لمجريات الأحداث في العالم العربي فكانت بمثابة طفرة في الطرح الإعلامي العربي. وبعد كل هذه السنوات من التجربة الإعلامية، لازالت قناة الجزيرة موضع جدل واختلاف بين الناس.. فهناك من يرى أنها تخدم أهدافاً مشبوهة وهناك المعجبون الذي يرون أن الجزيرة تقدم عملاً مهنياً غير مسبوق في البث التلفزيوني العربي. وأياً كانت وجهة نظر المشاهد، فإن القناة استطاعت استقطاب اهتمام ومتابعة المشاهدين.. كما أنها حققت شهرة عالمية وأصبحت مصدراً مهماً للأخبار، وخصوصاً في فترة ما قبل شيوع الإعلام الجديد والصحافة الإلكترونية.
من بين البرامج التي شدَّت اهتمام المشاهدين برنامج «الاتجاه المعاكس»، وهو أيضا يقدم طرحاً جديداً لم يتعوده المشاهد العربي، وإن كان البرنامج في حقيقته مجرد استنساخ لبرنامج أمريكي شهير هو crossfire الذي ظلت قناة CNN الأمريكية تبثه على مدى سنوات في الثمانينيات والتسعينيات الميلادية وحتى منتصف العقد الأول من القرن الجديد.
أعترف أنني كنت واحداً من المواظبين «الجادين» على مشاهدة برنامج «الاتجاه المعاكس» في سنواته الأولى، إلا أن متابعتي الجادة تحولت في السنوات اللاحقة إلى متابعة مَنْ يبحث عن التسلية حيث أصبح البرنامج بالنسبة لي، كما هو للكثيرين، بمثابة مسرحية هزلية أو فيلم كوميدي يشارك في تقديمه مجموعة من «النخبة العربية» التي تضم أكاديميين وسياسيين ومثقفين وباحثين تبدو عليهم سيماء الجدية في مستهل البرنامج ثم لا يلبثون أن يكشفوا عن تكوينهم النفسي والفكري الهزيل ويتحولون إلى مهرجين لا يختلفون كثيراً عن مهرجي السيرك.
والآن أشعر بالكثير من الامتنان لمقدم البرنامج فيصل القاسم الذي يتحفنا بأدوار هزلية تضحكنا كثيراً، فهو يقدم وجبة أسبوعية فكاهية تغنينا عن البحث عن الأفلام والمسرحيات الكوميدية. كنا في السابق نتألم عندما نرى هذه النخبة تتعارك، ولا أقول تتناقش.. لكننا -نحن المشاهدين- تجاوزنا مرحلة الألم وصرنا ننفجر من شدة الضحك ونحن نرى هذه المخلوقات الغاضبة تتلاسن بعبارات لا تليق بطفل صغير لا يميز الخطأ من الصواب.
أعلم أنني لا أضيف شيئاً جديداً هنا.. لكنني فشلت في مقاومة رغبة التعليق على ما حدث في الحلقة الأخيرة من البرنامج والتي ربما شاهدها الكثيرون منكم على الهواء أو عن طريق اليوتيوب لاحقاً والتي كان أبطالها جوزيف أبو فاضل ومحي الدين اللاذقاني ومعهم بالطبع فيصل القاسم ووظيفته «مُشعِل حرائق» بمسمى «مذيع».
أنا لا أعرف جوزيف أبو فاضل، وإن كنت قد شاهدته في حلقة سابقة من البرنامج، ولكن محي الدين اللاذقاني شيء آخر.. فقد كنت معجباً بكتاباته النقدية في صفحات الثقافة في جريدة الشرق الأوسط.
كان جوزيف يغدق كل أنواع المديح على بشار وكان اللاذقاني يصب كل ما يحتويه قاموسه من مفردات الهجاء لبشار.. وفجأة تحولت مائدة الحوار إلى حلبة مصارعة تتطاير في أجوائها الكلمات السوقية الهابطة!!
شكراً يا فيصل القاسم على إمعانك في إتحافنا -حد الوجع- بمهازل من يعتقدون أنهم النخبة.. وعظم الله أجورنا في ثقافتنا ومثقفينا.. وهنيئاً لك يا فيصل في إشباع رغبتك الحارقة في صب الزيت على النار من أجل رغبة رخيصة في تحقيق إثارة إعلامية عابرة.
alhumaid3@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض