- نولد ونوأد، والفارقُ مسارٌ نعبره، أو رؤيةٌ نُعبِّرها؛ فنحن من يستطيعُ الحياة ونحن - كذلك - من يستدني الوفاة، وبينهما نتصالح ونتصارع، وندُلّ أو نضِلّ، وفيها تحركنا قيم وموروثات وأهواء.
- هُدينا النجدين ؛ فاخترنا ما يتواءمُ مع دواخلنا ويضيء خوارجَنا، ولا نقبلُ -ذاتَ انتصارٍ لهما - تحويرًا أو تدويرًا ؛ فمن أغرته معطياتٌ أغوته تعاطيات، ولا مسافةَ بين من يأنسُ بذكرٍ ومن يستفهم عن فكرٍ ومن يهوي إلى كفرٍ إلا بمقدار ما تستيقظُ قياساتٌ ومقابساتٌ تلتزم بالمحاكمات والأحكام « الذاتية» والآخَرِية.
- كذا تتلخص حكايات كل يوم بما تحمله من جدلٍ ورِثناه وورَّثناه، وتتلمس الفارقَ بين حوارٍ أداره الناس في صباهم ثم في شيخوختهم فإذا نحن في مسافاتِ الرؤيةِ ذاتها نتحرك بأدوات المنهج ذاته ولو تطورت الوسائل وتبدلت الغايات بل وتغيرت مسالك وممالك.
- حين نستنسخُ المشكلةَ يُعوزُنا الحل؛ فمرور زمنٍ طويلٍ على وضعٍ معين إعلانٌ عن تجذره الثقافي وتكرسهِ المجتمعيِّ وتنمطه الممل ؛ ما يفترض معه الانعتاقُ منه أو الوصول لمرتبةِ اليأس من الإصلاح، وفي كليهما نداءٌ لا شعوري لعدم التغيير.
- في الجانب « المدني « تطورنا كثيرًا، والشواخصُ « المادية « كما الشواهد « التقنيةُ» تثبت أن النمو « الشكليَّ» متجاوزٌ لدرجة تجسير المسافة بيننا وبين العالم النائي والداني، وما كنا نشكو منه - أيام الابتعاث الأولى والوسيطة - من الفجوة العمرانية والخِدميةِ والمعرفية لم يعد يشكو منه الدارسون والسائحون اليوم،وربما تفوقنا في جوانبَ وتأخرنا قليلًا في جوانب؛ لتبقى المظلةُ متسعةً لكلينا دون سواتر وحواجز وصدمات.
- الأمر يبدو مختلفًا حين تمسُّ المقارنةُ المناحي الثقافية والاجتماعية، ولو غاب واحدنا نصف قرنٍ ثم عاد لوجدنا نجترُّ الواقع نفسه بكل وجوه النقاش وبواعثه وأمدائه وأصدائه ؛ لدرجةٍ أوجدت الملل وخلقت الخلل، وبتنا مرتهنين لسجالاتٍ رتيبةٍ لاجديد فيها ولا مفيد.
- لماذا نحن واقفون والعالم متغيرٌ أمامنا وجوارنا بفوارق حادةٍ بيننا ؟ قد يتكئُ على العامل الديني فئامٌ غير أن الأمر لا يتصل بثوابته المجمع عليها بل بتفصيلات فقهيةٍ تتسعُ للرأي ونقيضه؛ فهل يجوز أن نتعارك بسبب موسيقى في مسرحية أو قيادة امرأة لسيارة أو مماثلاتها مما يثير حساسيةً مفرطةً تجعل من قرأ أول هذا المقال يستعيذ من آخِره؟
- نتجاوزُ جسرًا ولا نعبر بحرًا، ونتعدى حدودًا فلا نرى قيودًا، ونعيش نحن - بتكويننا الكامل- وفق معطياتٍ نرتضيها لنا ومن معنا ؛ فإذا ختمنا جوازات سفرنا قافلين تبدلت أشياءُ وأشباهٌ مع أننا لم نخالف الثوابت حين استدرنا مئة وثمانين درجة شمالا، كما أننا لم نلتزم بها حين اتجهت البوصلةُ جنوبا.
- السؤال يحتمل ولا يكتمل.
ibrturkia@gmail.comt :@abohtoon