عندما يدرسُ العلماء حبّة رمل ٍ واحدة، مهما امتدّت دراستهم لها في الزمن، سيكتشفون، دائما، أمورا جديدة فيها.
هذا هو المبدأ العلمي للمعرفة غير المُتناهية. لكن جهلهم لحبّة الرمل هذه، لن يكون بالغا. المهم ليست المعرفة التامة للأشياء، التي هي، تحديدا، مستحيلة، بل هو خفض «رصيد الجهل»، الذي يُحيط بها، إلى حدٍ مقبول.
يُقرر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، واقعا مُعاشا من «رصيد الجهل» العالمي، حين يقول: «البشرية اليوم تُعاني من ضياع القيم، والتباس المفاهيم، وتمرّ بفترة حرجة، تشهد، برغم كل التقدم العلمي، تفشّي الجرائم، وتنامي الإرهاب، وتفكّك الأسرة، وانتهاك المخدرات لعقول الشباب، واستغلال الأقوياء للضعفاء، والنزعات العنصرية البغيضة».
ثم يعرج الملك عبد الله، بعدما شخّص الأدواء، ليُبيّن الأسباب، قائلا: «هذه نتائج الفراغ الروحي، الذي يُعاني منه الناس، بعد أن نسوا الله فأنساهم أنفسهم».
في سيرة الملك عبد الله التي نعرفها، ترفُّ أضواء: أضواء أمل. أحلام بإنسان آخر. ربما. إنسان ينسى تاريخ التذابح حول لون البشرة، وأسماء الجدود. ينسى تاريخ تبادل الإبادة بين الشعوب لاقتسام السماء. يبحث عن وجه أبهى للإنسان.
لا يُمكن الاتجاه نحو الله، في الإسلام، انطلاقا من الأرض، بل الانطلاق من السماء.
المَخرج الذي يُعيد الناس إلى إنسانيتهم، هو، على حدّ تعبير عبد الله بن عبد العزيز، «الالتقاء على كلمة سواء، عبر الحوار بين الأديان والحضارات».
دائما متفائل الملك عبد الله بعقْد الايمان الذي بينه وبين خالقه، «وتفاؤلنا مردّه الصدى الواسع الذي حظيت به الدعوة إلى الحوار، سواء على صعيد العالم الإسلامي، أو على صعيد مختلف أصحاب الديانات والثقافات، في شتى أرجاء العالم».
الملك عبد الله، من منطلق تفاؤله بمستقبل البشرية المضيء، يَعتبرُ كل البشر إخوة أعزاء على وطنه، المملكة العربية السعودية، فهو وطن، كما يقول خادم الحرمين الشريفين، «يفتحُ قلبه، ويُشرّع أبوابه، للجميع».
فكان من الطبيعي أن يُعيّن البروفسور (تشون فونغ شي)، رئيسا مؤسِّّسا لـ»جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية كاوست»، حلم عبد الله بن عبد العزيز الجميل، طيلة ربع قرن مضى من الزمن.
أنظرُ إلى الملك عبد الله بغبطة. إنه يرى ما لا نراه من الجمال.
Zuhdi.alfateh@gmail.com