لا شك أن مفهوم التفاوض من المفاهيم القديمة في الحياة البشرية وإن أخذ مسميات مختلفة حسب القرون والعصور. أما في الوقت الراهن فقد أخذ حيزًا مهمًا في حياة الأمم والشعوب نتيجة تشابك المصالح والتنافس على الموارد وكثرة الصراعات وغير ذلك. وللتفاوض مستويات متعددة فالإنسان العادي يحتاج إلى التفاوض في حياته اليومية مع رؤسائه أو زملائه أو مراجعيه في بيئة العمل. كما يحتاج إلى التفاوض مع أصدقائه أو عند عمليات البيع والشراء وغير ذلك. أما الدول فإنها تولي مسألة التفاوض عناية فائقة خاصة عند وجود خلافات أو اتصالات أو مباحثات مع الدول الأخرى.
ولا يختلف اثنان بأن التفاوض ضروري وحتمي طال الزمن أم قصر. فالدول على سبيل المثال تشن الحروب على بعضها البعض لأسباب سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو غيرها وقد تمكث سنوات طويلة ولكنها في النهاية تجلس على مائدة المفاوضات. ولذا فإن التفاوض قد يحقق مكاسب تعجز الحروب أحيانًا عن تحقيقها. ويمكن أن نعرف التفاوض بأنه: «حوار بين طرفين حول قضية معينة بهدف التوصل إلى حل يرضي الطرفين أو على الأقل يحقق الحد الأدنى من الرضا والقبول بينهما». مع التسليم بأن تحقيق المطالب بين المتفاوضين قد لا يكون متساويًا أو عادلاً لأسباب مختلفة.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك أنواعًا عدة للتفاوض منها: التفاوض من أجل تحقيق مصالح الطرفين وهذا الأكثر ديمومة وقبولاً بين المتفاوضين، والتفاوض من أجل كسب أحد الطرفين على حساب الطرف الآخر وهذا يحدث عند اختلال موازين القوى بين الطرفين ولكنه ينتكس في الغالب عند تغير الظروف، والتفاوض الاستكشافي ويهدف إلى معرفة أهداف الطرف الآخر ودوافعه وتطلعاته، والتفاوض التسكيني ويهدف إلى التقليل من أهمية القضية وإبقائها ساكنة في حدود معينة، والتفاوض الوسيط ويهدف إلى توسيط طرف ثالث يوافق عليه الطرفان للمساعدة في إجراء التفاوض بينهما.
وللتفاوض مراحل متعددة وهي:
المرحلة الأولى: الإعداد والتهيئة للتفاوض: وتتطلب توفر المعلومات الدقيقة والوثائق والمستندات اللازمة لكي تسهل عملية الإقناع بالحجج والبراهين. كما تتطلب اختيار الأشخاص المؤهلين ومعرفة طريقة تفكير الطرف الآخر.
أما المرحلة الثانية فهي: إجراء المفاوضات: وتتطلب قدرًا من الهدوء والاتزان وضبط النَّفس والاستماع للآخر وعدم الاعتراض عليه بطريقة فجة أو اللجوء إلى التجريح الشخصي. كما ينبغي استخدام الإستراتيجيات التفاوضية المناسبة وممارسة الضغوط على الطرف الآخر من خلال الأوراق التي بيده. وتُعد هذه المرحلة أهم مراحل التفاوض لأنَّها تتطلب مهارات عالية في التفاوض ومعرفة علمية وعملية بأساليب إدارته.
أما المرحلة الثالثة: فهي إبرام الاتفاق: وتتطلب إبرام عقد مكتوب بصياغة جيدة وواضحة تبتعد عن الصياغات العامة أو تلك التي يمكن تفسيرها بأكثر من طريقة. كما يجب أن يكون الاتفاق شاملاً ومفصلاً ومفهومًا لدى الطرفين.
أما المرحلة الرابعة: فهي تنفيذ الاتفاق: وتتطلب وضع جدول زمني لتنفيذ الاتفاق واختيار الأسلوب المناسب لتنفيذه ومتابعته من خلال فريق مشترك بين الطرفين.
أما المرحلة الأخيرة: فهي تقويم الاتفاق: وتتطلب تقويم الاتفاق ومعرفة المعوقات التي تعترضه ومدى جدية الطرف الآخر في تنفيذه.
وبالرغم من تعدد إستراتيجيات التفاوض إلا أن الفيصل في اختيار الإستراتيجية المناسبة تعتمد اعتمادًا أساسيًا على أطراف التفاوض والقضية المطروحة ومدى أهمية هذه القضية لكل طرف. وعلى كل حال فإن المفاوض يحتاج إلى الصبر والتحمل واستخدام أسلوب الكر والفر وإدخال عنصري المفاجأة والحيل المشروعة خلال عملية التفاوض. كما أن على المفاوض أن يكون حذرًا وألا يطرح السقف الأدنى لمطالبه على مائدة المفاوضات في البداية، بل يجب أن يطرح السقف الأعلى ليتم التفاوض عليها وتقديم التنازلات حتَّى السقف الأدنى في النهاية. والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
عضو هيئة التدريب بمعهد الإدارة
Yousefms@ipa.edu.sa