إذا سقطت هيبة الدولة انهار كل شيء، وإذا فقدت السلطات الأمنية احترام الشعب لها تهاوت كل السلطات الأخرى، وتسعى كل جهة إلى فرض إرادتها باللجوء إلى كل الوسائل التي لا تتفق مع الأنظمة التي تنظم حياة الناس.
هذا بالضبط ما يحصل في مصر، مصر التي كانت من أوائل الدول التي أقامت دولة متحضرة تحكمها القوانين والأنظمة منذ أكثر من سبعة آلاف سنة تشهد انهيارا فظيعا بعد أن فقدت الأجهزة الأمنية احترامها وثقة المواطنين بها، مما أتاح للقوى المتربصة بمصر شراً أن ترتكب الآثام الواحدة بعد الأخرى، إلى أن وصل الإثم إلى الساحات الرياضية، وبدلاً من أن يستمتع الجمهور الرياضي بمشاهدة مباراة رياضية ويعودوا إلى أهلهم سالمين، يعود بعض منهم جثثاً في أكفان، والبعض الآخر يستقر في المستشفيات طلباً للعلاج.
ماذا حدث لمصر لتنحدر الأوضاع فيها إلى الحضيض؟ هل غُيِّب عقلاء مصر لتسودها الفوضى ويسيطر الجهلة والأشرار على الدولة التي أهدت للبشرية الحضارة..؟!!
وإلى متى تظل (المحروسة) مختطفة من قلة حاقدة تعبث فساداً وخراباً في أرض الكنانة..؟ وهل يظل أبناؤها صامتين لما يجري من تخريب ممنهج لهذه الدولة الكبيرة..؟!
ما حدث ليلة الأربعاء في مدينة بورسعيد، وبالتحديد في ملعب كرة القدم، لم يكن متوقعاً وغير مألوف من شعب مسالم يتحول في وقت سريع إلى وحوش كاسرة تقتل أبناءها دهساً تحت الأرجل بسبب تدافع الجماهير بعد الشغب الذي سيطر على الملعب، والذي شهدت ليلة مأساوية ستظل (ليلة سوداء) في تاريخ مصر... وتاريخ بورسعيد خلفت أكثر من70 قتيلاً ومئات الجرحى بينهم حالات خطيرة.
الليلة الدامية في ملعب بورسعيد تأتي ضمن سلسلة من الحوادث الدامية التي شهدتها مصر، وحتماً ستعقبها حوادث أخرى لا تقل مأسوية إن لم تكن أفظع منها، ما لم يتم تدارك الوضع ويعاد للدولة المصرية هيبتها؛ بدءاً بإعادة الاعتبار للأجهزة الأمنية وسلطات حفظ النظام التي تلقت العديد من الضربات التي جعلتها عاجزة عن التصدي لمن يسعى خراباً في بلد كان مضرب المثل للأمن والاستقرار.
نعم، لحماية كرامة الانسان ولضمان حقوق الانسان والعيش الكريم، ولكن يجب أن تعطى الثقة للأجهزة التي تحمي النظام، ولا يشجع كل من له مطلب أن يحصل عليه بالقوة وبوسائله الخاصة.
مصر أمام امتحان عسير، ولكن أهلها ومواطنيها قادرون على تجاوز هذه المحن، فالبلاد تختزن العديد من الحكماء والعقلاء والرجال القادرين على معالجة الإشكالات وإعادة الأمور إلى طريق السلامة.