|
الجزيرة - د. حسن الشقطي :
دخل مؤشر السوق منذ السبت الماضي وبشكل مفاجئ في دورة صعود بدأت بربح 60 نقطة يوم السبت، ثم 18 نقطة يوم الأحد، ثم ربح خمسة نقاط يوم الاثنين، تلاها ربح 66 نقطة يوم الثلاثاء.. وأخيرا ربح 37 نقطة يوم الأربعاء.. ورغم أن السوق يمتلك كثير من المحفزات الإيجابية، إلا أن كسر المؤشر لمستوى 6600 نقطة يعتبر مفاجأة غير متوقعة.. البعض سعى للربط بين الصعود وتوقع فتح السوق أمام الأجانب، والبعض الآخر اعتبر أن نتائج الشركات الممتازة هي التي قادت إلى هذا الصعود بشكل طبيعي.. كما أن آخرون يعتبرون أن أسعار البترول لوحدها كفيلة بدعم هذا الصعود.. إلا أن الصعود السريع وتعملق السيولة المفاجئ يعطي الصعود أهمية تفوق مجرد تفسيرها بنتائج الشركات أو بتوقع قرب دخول الأجانب.. فما الذي حدث؟ وهل هناك مستفيقون بالسوق؟ أم هل هناك عودة لأمجاد العشرة ملياران والعشرين مليارًا كسيولة يوميا؟
نتائج الشركات ممتازة
أحرزت الشركات المدرجة نتائج تعتبر قياسية على المستوى الإجمالي، وخاصة في ضوء الأرباح القياسية، ويكفي التذكير بمعدلات النمو في صافي أرباح قطاعي البتروكيماويات والمصارف والتي جاءت أعلى كثيرًا من المتوقع.. ولكن نتائج الشركات لم تقُد المؤشر في الماضي، وبالتالي يصعب القول إنها هي التي تقود صعود المؤشر المفاجئ الآن.. فالمضاربون أو المتداولون بالسوق دائمًا يهتمون بنتائج الشركات خوفًا من سلبيتها أكثر منه حرصًا على إيجابيتها، وهذه السلبية تستغل في التخويف، في حين أن هذه الإيجابية تستغل في التطبيل.
محفز دخول الأجانب إلى سوق الأسهم
السماح للأجانب بالتداول المباشر بالسوق يعتبر أمرًا ليس جديدا، فقد أثير أكثر من مرة منذ أكثر من عام، والجميع يتوقعونه قريبًا بالفعل، وكافة الدلائل تشير إلى اقتراب حدوثه كثيرًا.. وعلى المستوى العملي، فإن الأجانب متواجدون بالفعل بالسوق سواء من خلال اتفاقيات المبادلة أو من خلال أسماء مستعارة.. إلا أن اتفاقيات المبادلة تعيق تداولات الأجانب وتمثل قيدا على سهولة دخولهم وخروجهم من السوق، وبالتالي فإن السماح للأجانب بالتداول المباشر بالسوق سيسهل تداولاتهم ويجذبهم بشكل أكبر. وأنه بالفعل قد يأتي مستثمرون سواء أفراد أو مؤسسات لهم ثقلهم، وأن هذه المؤسسات يمكن أن تتجه إلى الاستثمار في أسهم العوائد أو القياديات ذات الربح، وخاصة أن رؤية المستثمر الأجنبي قد تكون أكثر إدراكًا بمجالات العائد الحقيقي بالسوق، لأنها تقوم على دراية وخبرة وتحليل حقيقي وعميق للسوق المحلي.. فالمستثمر الأجنبي يتطلع إلى حرية وسهولة مطلقة في التداول، بشكل يجعله يركز على اختيار سوق المملكة دون غيرها عندما يراها أكثر سخونة في تحريك أمواله بربح أعلى.. فالأموال المستثمرة في أسواق المال هي أموال ساخنة، وتتحرك بحثا وراء العوائد الأعلى.. في حين أن المملكة تتطلع إلى استثمارات مؤسسية وكبيرة وطويلة المدى وراسخة.. وقدرة هيئة سوق المال على تقديم تسهيلات أعلى في تقبل سخونة هذه الأموال هو المحدد الرئيسي لقدرتها على جذب كميات أكبر من هذه الاستثمارات الأجنبية.
تداعيات تحتاج الانتباه
مع دخول الأجانب
ولكن هناك سؤال هام.. إلى أين تتجه أموال الأجانب عند مجيئها؟ فحسب الإجابة على هذا السؤال ستتحدد ملامح سوق الأسهم خلال الفترة المقبلة.. نعم، دخول الأجانب لو جاء كما هو متوقع قد يتغير مضمون وهيكل السوق بشكل كامل.. فالاستثمارات الأجنبية وخاصة المؤسسية منها قد تغير من السمات العشوائية التي تقوم عليها المضاربات حاليا.. فمضاربات السوق لا تزال تعتمد على الشائعات والجروبات أو تأثير دخول أو خروج كبار الملاك.. وهذه كلها أمور ليست مؤثرة في كثير من الأسواق العالمية.. فهناك قراءة وتحليل ودراسات وعمق في اختيار السهم ووقت الدخول والخروج منه.. وقد يتم قراءة مستقبل الشركات بشكل مختلف، وقد يظهر اهتمام من الشركات المالية الكبرى بالسوق السعودي، وإطلاق توصيات عن أسهمه أكثر عن الوضع الحالي.. المهم أن هناك قوى استثمارية أكبر وأكثر خبرة ودراية وقدرة واستعداد على المضاربات يمكن أن تخترق السوق.. وهذه القوى يمكن أن تتجه إلى أسهم بعينها، وأسهم قطاع البتروكيماويات قد تكون على رأس هذه الأسهم المفضلة من الأجانب.. وخاصة أنها ترتبط بمؤثر خارجي قد تمتلك بعض القوى التي تفكر في دخول سوق الأسهم المحلي تأثيرا عليه.. وهنا محور الخطورة.. فلو افترضنا أن طرفا من القوى الاستثمارية الكبرى في الأسواق العالمية جاءت للاستثمار في السوق السعودي، وكانت لهذه القوى دور في التأثير على سعر النفط مثلا، فإن تأثيرها في السوق السعودي قد يكون كبيرا ومزدوجا، وقد تمتلك المعلومة قبل غيرها من المستثمرين المحليين بشكل كبير، وقد تلعب فجوة المعلومات بين الأطراف الأجنبية والمحلية دورا خطيرا في معدلات تحقيق كل منهما للعوائد.. وينبغي أن تراعي هيئة السوق المالية مثل هذه الأمور التي قد يترتب عليها انتقال صافي لعوائد السوق من أطراف محلية إلى أطراف أجنبية.. فالأطراف الأجنبية لا تضارب بناء على شائعات أو جروبات، ولكنها ستضارب حسب معلومات أو تحركات مرتبطة بمتغيرات أو مستجدات حقيقية. ومفهوم الجروبات في الوضع الراهن يمكن أن يتحول إلى وضع آخر ومختلف تماما عندما يسمح للأجانب بالتداول المباشر، فتكوين تكتل أو جروب أو أي تنظيم أو تنسيق بين أطراف أجنبية قليلة قد يؤدي إلى تداعيات مهمة على السوق.
الأجانب موجودون
في الأسواق العربية الأخرى
البعض يقول: إن الأجانب موجودون في كثير من الأسواق العربية الأخرى ولا توجد مشكلة، ولا ينبغي التضخيم من التخويف منهم.. نعم بالفعل هم موجودون في الأسواق العربية الأخرى، ولكن السوق المحلي له سمات خاصة وقابليته لقبول أموال ساخنة أعلى من غيره من الأسواق العربية، واستعداده للمضاربات أكبر عن كثير من هذه الأسواق العربية.. فالتاريخ يرصد فقاعة للسوق في عام 2005-2006م لم تحدث في تاريخ أي سوق عربي تقريبا.. ويرصد اهتماما محليا بالمضاربات أكثر من أي دولة أخرى.. فضلا عن ضخامة حجم السيولة المحلية النائمة التي تستطيع أن تستفيق في أي لحظة لدخول سوق الأسهم والمضاربة فيه بالمملكة في عام 2012 أعلى عن أي دولة أخرى، وأكثر عنها في أي فترة سابقة.. كما ينبغي أن نعلم بأن سقف حرية التداول التي يتوقع أن تسود السوق بعد السماح للأجانب قد يكون عاليا بشكل يضاهي البورصات العالمية.. وبالتالي، فمن المتوقع أن تقل حدة الغرامات والعقوبات التي تفرض على المستثمرين المخالفين للقواعد بعد السماح للأجانب بالتداول المباشر.. والشئ المتوقع أيضا أن تتكون بعض التنظيمات أو نوع من التنسيق بين مستثمرين محليين وأجانب في عمليات التداول، وهذا التنسيق سيكون مؤثرا، وخاصة عندما تكون قيم المحافظ مجتمعة كبيرا ومهولا.
دخول الأجانب.. والصعود
السؤال الهام هو: هل هذا المحفز كافٍ لأن يقود الدورة الحالية للصعود؟ في الاعتقاد أنه لو كان دخول الأجانب محفز، فإنه قد تم استغلاله من المضاربين لنشر حالة التفاؤل بناء على معلومات حقيقية.. بكل صدق تجربة السوق مع محفزات دخول الأجانب ليست حقيقية، فعند دخول الخليجيين حدث صعود مؤقت مدعومًا بتفاؤل مبالغ فيه، كما أن دخول المقيمين أثار تفاؤلا أعلى مما أثبت الواقع أنه يستحقه.. وفي الحالتين أثبتت الواقع أن الصعود كان مضاربيًا استغلالا للحدث.
تعملق السيولة المفاجئة
منذ الثامن من يناير الماضي، قفزت السيولة المتداولة إلى 7.3 مليار ريال، وهو مستوى غير مسبوق منذ فترة تزيد عن سنتين.. تلاها صعود أكبر إلى 7.4 مليار ريال في 16 يناير، ثم جاء الصعود الأكبر في 29 يناير بـ 8.0 مليار ، ثم ارتقى إلى 8.5 و8.6 مليار خلال يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين.. وأخيرا كسر حاجز التسعة مليارات يوم الأربعاء الماضي. إن صعود السيولة بهذه الطريقة هو الذي يثير النقاش بأن أطراف محلية وموجودة بالسوق، أو ربما أطراف مستثمرة بالسوق كانت في مرحلة جمود بدأت تتحرك.. أو أن هناك دورة انتقال لرؤوس الأموال ما بين قطاعات أو أنشطة، والتي من أهمها العقار. في النهاية، فإن تقرير التداول حسب الجنسية، والذي يوضح أنه حدثت زيادة في تداولات السعوديين، وكانت عمليات بيعهم أكثر من شرائهم (وصل نسبة البيع إلى 94.2%)، في المقابل فقد زادت نسبة مشتريات الشركات السعودية، ووصلت إلى 4.7%.. في المقابل، فقد تضاءلت كافة مشاركات الأطراف الأخرى سواء الخليجية أو الأجنبية (مقيمين وغير مقيمين) بنسب كبيرة.. أي أن شهر ديسمبر لم يشهد أي اهتمام غير سعودي بحركة التداول.. وهو ما يثبت أن صعود المؤشر هو صعود محلي بدوافع محلية.