أعطى الله معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر منذ بدء حياته الدراسية، محبة في رصد المعلومات، والاهتمام بالذكريات والمعلومات الأسرية، ورصد الأحداث في العمل، وما يدور حوله، وهذه مهمة تحتاج إلى جلد وصبر واهتمام يوميّ. ومعلوماته التي يرصد تمتاز بإثباتها في وقتها،
لما فيها من فوائد وذكريات ووقائع، تربط القارئ بالزمن الذي حصلت فيه، ولا يهتمّ بهذا التدوين تسجيلاً وإحاطة ودقة عندنا، إلا النوادر من الناس، إذ يعتمدون على الذاكرة وهي تخون فتُفْقَدُ المعلومات بموت أصحابها. لكن المؤلف مع كثرة ما رصد ودوّن إذ بلغت حتى الآن 24 مجلداً، قد أخذ بقبول الشاعر في الإثباتات والباقي سيتبع:
العلم صيد والكتابة قيدُهُ
فاحفظ صيودَكَ بالحبال الموثقةْ
وبين يدي القراء كتابه: وسم على أديم الزمن، لمحات من الذكريات الجزء 24 في الطبعة الأولى عام 1432هـ-2011م وهو دسْم بما فيه من معلومات، لا يسمح الحيّز باستعراضها، ولكن حسبنا في ذلك دلالة المثل العربيّ: يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.
تبلغ صفحات الكتاب وهو من القطع المتوسط المعتاد، في هذه السلسلة 686 صفحة مع الفهارس والصور ونبذة عن الكاتب، وما صدر من كتبه وفي هذا الجزء معلومات في حكم الثابتة، إلا أن فيها تغييراً بالحدث والوقت: كالمقابلات والأسفار التي يعشقها، بعضها بحكم العمل والآخر للنزهة وإراحة النفس وكسب معلومات جديدة، كما قال الشافعي في فوائد الأسفار، إذ يرافقه أولاده وعائلته، وقد استغرقت منه المقدمة عشر صفحات، فيها منهجه في هذا الجزء، (ص 5-10) ولن نحيط بالكتاب كله لجزالته، وهو عن أحداث 1404هـ وقد قال عن وزارة التخطيط التي جلَّد فيها بعض كتبه، بأن فيها ورشة تجليد متميزة فعرض عليه وزيرها الأستاذ هشام أن يُجلّد عندهم بعض كتبه، إذ لم يكن التجليد في السوق، بالجودة المطلوبة، فسلم ورشة الوزارة بعض كتبه، وجلّدوها تجليداً متقناً فنياً جميلاً، وتبين أن الورشة قائمة على رجلين اثنين: أب وابنه وهما من اليمن، ولا شك أن ورشة التجليد قد كَبُرَتْ ودرّب هذان الاثنان غيرهما، مثلما فعلنا في ورشة التجليد في الجامعة، لأن التجليد فن ممتع، إذا قام به شخص هاوٍ، واتخذ هذه المهنة متعة له.
وبعضهم يتفنن في هذا ويخرج كتباً تجليدها يُغْرِي لقراءتها، وأرجو أن يكون التعليم الفني، قد اهتم بهذه المهنة الجميلة، المفيدة خاصة وقد دخل الميدان، أجهزة سهلت الأمر، وقللت الاعتماد على المجهود اليدوي، وأصبح التخطيط والإشراف هما عمودا هذا العمل الجذاب، وأقول الجذاب لأني رأيت تهافت الشباب على القيام بهذا العمل وانقطاعهم له (ص 12-13).
وقد ذكر حادثاً لوالدته رحمها الله عندما قفل ابنه محمد باب الحمام على يدها بقوة، وكان أصبعها على طرف مقفل الباب، فنقلوها بسرعة لمستشفى الملك فيصل التخصصي وخيطوا الأصبع بعدة رُتَبٍ، وهي صبورة في كل أمر مؤلم يمر بها (ص15-53).
وذكر وفاة الشيخ محمد البواردي، وقد اهتم بخبره فقال: في يوم الأحد 21 من ربيع الأول انتقل إلى رحمة الله فضيلة الشيخ محمد البواردي العالم القاضي المشهور، المحبوب الطريف الظريف، صاحب السمعة العطرة، عطر المجالس وبهجة الاجتماعات، عِلْمُهُ فائق ونباهته مضيئة، وفقهه غزير، سريع البديهة، ردوده على من يمازحه، يأتي بها من القرآن والسنة، لا يجارى في مقدرته على قول الشعر بلاهة، سواء فصيحاً أو عامياً، وقد صلينا عليه رحمه الله في المسجد الجامع ظهراً، وحضرنا مواراته في قبره.
والشيخ محمد رحمه الله فيه جاذبية، لأن كل ما يأتي منه، يأتي مغلفاً بغلاف طريف، كنت أزوره مع بعض الإخوان منهم الشيخ محمد الجبير، رحمه الله، ومعالي الشيخ ناصر الشثري، ومعالي الشيخ راشد بن خنين، وكنا نأنس بمجلسه، وقد عثر في إحدى المرات، وتأثرت قدمه، وأعاقته عن الحركة، وقد وضع فيها الجبس، وكنت أزوره في هذه الأثناء مع الأخوين الفاضلين الشيخ راشد بن خنين والشيخ ناصر الشثري، ونبقى طوال فترة العصر ولا نقوم إلا عند أذان المغرب.
وأذكر أنه في العام الماضي، في شهر رمضان وقد اعتدنا أنا ومحمد أبا الخيل، وعبدالعزيز القريشي، أن نذهب لزيارة صاحب السمو الأمير مساعد بن عبدالرحمن في بيته في شهار بالطائف، ونبقى ما يقرب الساعة، وكانت تبدأ بعد التراويح، وعندما أردنا المغادرة، أقبل الشيخ محمد البواردي، فأشر لنا سموه أن نبقى، وبقينا، وليس في المكان غير سموه، والشيخ ونحن، وبدأنا الجلسة الممتعة، وأذكر من جملة ما سألناه عنه، موضوع خطبته في هجرة حنيذ، وهي من هجر العجمان.
قال رحمه الله إن الملك عبدالعزيز، بعد أن سار في سياسته، في إنشاء الهجر، لتوطين البادية، تلمس من العلماء من يمكن أن يعين في إرشاد أهل كل هجرة، ويكون إماماً لهم يصلي بهم صلاة الجمعة، وغيرها من الصلوات.
فقال رحمه الله: إنه كان صغيراً، واختار أن يبدأ خطبته يوم الجمعة، والمسجد ممتلئ بالمصلين، وعلى رأسهم من الصف الكبار من شيوخ آل حثلين، بقوله الحمد لله الذي جعل الموت، راحة للأبرار، فقال أحد من كان في الصف الأول، بصوت عال: (أمحقها من راحة)، فكاد يغمي علي من الضحك، وأسرعت وخبأت وجهي خلف الورقة، التي كتبت عليها الخطبة، ورأي جمهور المصلين اهتزاز يدي فظنوا أني خاشع.
قال: ثم تذكرت حركة نلجأ إليها ونحن صغار، إذا دخلنا في الصلاة، فنتزاحم ويدفع بعضنا بعضاً، ونحن في آخر الصف، ثم يغلبنا الضحك، فتعودنا النظر إلى أظافر أيدينا، بتركيز وتمعن ثم يقف الضحك، فلجأت إلى هذا وأنا على المنبر وعاد إلي هدوئي ثم يقول رحمه الله: جرت العادة أن أهل الهجر كلهم، يتغدى أهل كل هجرة يوم الجمعة عند شيخ القبيلة.
فلما اطمأن بنا المجلس، قلت للشيخ - ولعله راكان بن حثلين، أنتم انتقدتم علي قولي: الحمد لله الذي جعل الموت راحة للأبرار، قال: نعم من يريد الموت؟ ما في الموت راحة، يقول: فقلت: لو إن والدك حي الآن، وجدك حي وأب جدك وجد جدك، كلهم أحياء، سوف يكونون كلهم يحملون في زنابيل لأنهم قطعة من لحم وعظم ألا ترجو له الراحة. قال: بلى قلت: هذا ما قصدته، فتبين أن الشيخ ابن حثلين ومن معه، من كبار القوم قد اقتنعوا بما قلت، ومع ذلك لم أعد استهل خطبتي بالراحة بالموت (ص 53-58).
وتحدث عن أهمية التبرع بالدم وأولياته، وأن الدكتور غازي القصيبي رحمه الله- هو أول من قام- عندما كان وزيراً للصحة بحملة لجمع الدم لبنك الدم بالوزارة، وبحكم أنه قد كان وزيراً للصحة، فاتفق مع الدكتور غازي أن يأتي فريق جمع الدم إلى وزارة المعارف فجاءوا وكان هو أول متبرع بالدم، وجمعوا كمية كبيرة (ص 81-84).
وذكر في هذا المجال أن الأخ عبدالله بن علي النعيم عندما كان أميناً للرياض رأى القيام بجولة على الرياض بطائرة حوامة لأن الرياض أخذت تتسع، وزادت في النمو طولاً وعرضاً، ولا يعرف المرء مدى هذا الامتداد، وهو يسير في الشوارع، إذ لابد أن ترى الرياض من فوقها، وليس هناك وسيلة أفضل من الطائرة الحوامة، وشاركهم بعض المسئولين ومهندس من بلدية الرياض كان يتولى الشرح، والإجابة على الأسئلة.. فكانت رحلة لا تُنْسَى ولم يصدقوا ما رأوا بأعينهم مدى هذا الاتساع، وهو واقع ينمو إلى اليوم (ص97-99).
وعن سباق الهجن وهي الإبل قال: إنني أحبّ الإبل حباً عميقاً، ويهزني مظهرها منفردة أو مجتمعة أياً كان لونها، ولذا حرصت في يوم السبت، الأول من جمادى الأولى، أن أحضر سباق الهجن في ميدان الجنادرية، كالمعتاد الذي يقيمه الحرس الوطني (100-101).
وفي يوم الأحد 25 مارس، ذكر أن أمطاراً غزيرة هطلت وأحدثت أضراراً في بعض مزارع الخرج (ص 116).
وقد أبدى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، رحمه الله رغبته أن يرى معاليه، قال: ولم أكن أعرف عن الموضوع شيئاً، فذهبت عند الساعة العاشرة في صباح يوم السبت، الثالث عشر من شهر رجب (14 أبريل) وقابلت سماحته في مكتبه، وقد بحث رحمه الله عدة أمور أَبنْتُ له فيها، وجهة نظر وزارة المعارف، حيالها وكان -رحمه الله- من خير من يعطي المتكلم فرصة إبداء وجهة نظره، ويقتنع بالمنطق والجوانب الواقعية، والنواحي العملية، إذا تأكد من حسن نية المتكلم، وسنه وعلمه وتجربته، في هذه الحياة، تجعل من آرائه ما يُقْبَل ويقدّر.
ومن جملة ما تحدث عنه-رحمه الله- موضوع أحد المحتسبين الوعاظ، واعتراض هذا المحتسب علي إذ منعته من الوعظ في المدارس، لأنه محدود الأفق، وغير مقبول من الأساتذة والطلاب، وبعض ما يقوله منفر، وكان يقع فيما ينصبه له الطلاب من فخ، يأتي في أسئلة جوابها يثير الفتنة.
ثم قال وشرحت لسماحة الشيخ الأسباب التي جعلتني، أتخذ هذه الخطوة تجاه هذا الواعظ-رحمه الله- وقد جئت لسماحته ببعض الأمثلة، وما جرَّت إليه من بلبلة، خاصة وأن الإجابة غير صحيحة، ولا تستند على أدلة.. فاقتنع الشيخ ابن باز رحمه الله، بما سمع مني ودعا لنا- رحمه الله (ص125-127).
وكان كثيراً ما ينيبه بعض الوزراء، عندما يأخذون إجازاتهم، حيث يحمل حقائب وزاريّه متعددة في آن واحد، ففي رمضان ذلك الوقت، تولى عمل أربع وزارات في آن واح (ص170-171).
ومثلها في نفس العام بفارق زمني قليل، حمل ثلاث حقائب وزارية بالنيابة (ص 89 - 192) وبين الأسباب حيث يخرج الوزير الغائب من مبنى إلى مبنى آخر.
ولما قلت في البداية، الكتاب مليء بالتجاوب والمعلومات المفيدة فهي حصيلة دهر طويل يرصيد ويفيد القراء.