عندما أسافر خارج المملكة وخاصة للدول المجاورة أحرص على الذهاب بنفسي للتسوق. أفرح كثيراً حين أجد بعض السلع من منتجات السعودية. أشعر بسعادة غامرة وأنا أرفع بيدي علبة العصير أوالحليب. سر فرحي وسعادتي أن هذه المنتجات من صناعة بلدي الحبيب السعودية, ولا أخفيكم أني أتحيز لشراء السلع السعودية دون غيرها فيكفيني أنه مكتوب عليها هذه العبارة الجميلة «صنعت في السعودية» دون أن أشغل نفسي بتفاصيل وخفايا صناعتها. المعروف أن الصناعة تقوم على ثلاث دعامات رئيسية هي رأس المال والمواد الخام والأيدي العاملة, ونحن نعرف أن رأس المال سعودي وبعض المواد الخام سعودية لكن الأيدي العاملة أجنبية. أحاول في كل مرة أن أنغمس في الفرح دون مكدرات ولو لدقائق معدودة لكن ما تلبث صور المصانع والتي زرت بعضا منها قبل شهور تطاردني فلا تدخل مصنعاً إلا وتجد معظم الواقفين أمام الآلات الضخمة أو الأجهزة الدقيقة أوعند بدايات خطوط الإنتاج ونهاياتها ليسوا من أبناء البلد، يبقى الضلع الثالث للصناعة «الأيدي العاملة» مهزوزاً وضعيفاً ما جعلنا نقدم صناعة جيدة لكنها ناقصة لأنها تعتمد على آلاف العمال الأجانب, وهؤلاء يتدربون في مصانعنا ويمتلكون أسرار صناعتنا ولو غادرونا فجأة لوضعونا في مأزق كبير.
إلى وقت قريب كنا نفاخر بصناعاتنا اليدوية البسيطة مثل المنسوجات والملابس والتحف والصناعات الغذائية التي تقوم بها النساء في البيوت أو المصانع التقليدية المملوكة لمواطنين, وإن كانت مثل هذه الصناعات مستمرة إلى اليوم إلا أنها بدرجات أقل نتيجة ضعف الدعم وعدم القدرة على المنافسة بسبب فتح المجال على مصراعيه للعمالة الأجنبية التي أكلت الأخضر واليابس, وتغييب دور الأسر المنتجة والتي ما زالت تعاني الأمرين.
الأكلات والحلويات الشعبية التي كانت تتباهى بصناعتها الجدات والأمهات مثل الكليجا والقرصان وقرص عقيل وحتى المراصيع ما غيرها تحولت للمخابز التي يديرونها أجانب تمكنوا بالتدريب المستمر من أصعب الأكلات مثل المرقوق والمطازيز والحنيني والمعصوب والعريكة, وتحولت وجهة الأمهات والجدات من مواقعهن أمام المواقد إلى زيارة المخابز الأوتوماتيكية للتسوق, وبتنا نتحسر على القتل المتعمد لمشاريع الأسر المنتجة وإضعافها أو إجهاضها. يروي لي صديق يعمل بالتجارة يقول أبرمت عقدا مع شركة صينية لاستيراد ملابس وألعاب أطفال وفي إحدى سفرياتي للصين طلبت من مدير الشركة زيارة المصنع وعندما ذهبت برفقة أحد الموظفين ذهلت مما شاهدت فلم يكن المصنع سوى منزل متواضع يقطنه رجل مسن وزوجته وأولادهما وبناتهما, والجميع منهمكون بالعمل وقد حولوا المنزل إلى مصنع صغير يدفع بالإنتاج ليأتي مندوب الشركة لاستلام ما أنجزوه وتسويقه لشركات تتولى التصدير, سألت الموظف عما يحدث قال في الصين آلاف الأسر المنتجة المدعومة من الدولة وأن الجميع هنا يعملون حتى العجائز يقمن بأعمال تناسب أعمارهن.
يؤكد صندوق التنمية الصناعية السعودي على أن تطوير مقدرات القوى العاملة السعودية من أكبر التحديات التي تواجه الصناعة السعودية بسبب ندرة وضعف مخرجات التعليم والتدريب الفني والمهني وهو ما يثير التساؤلات عن إمكانية وضع إستراتيجية مستقبلية لتقوية الضلع الضعيف في الصناعة السعودية بتحويل المصانع الكبرى لمراكز لتدريب السعوديين لإحلالهم تدريجياً بدل الوافدين, ودعم الأسر المنتجة لتشجيع الصناعات الخفيفة لتصبح صناعتنا سعودية100%.
shlash2010@hotmail.comتويتر abdulrahman_15