أهل الفن أدرى بشعابه، هكذا يجب أن يكون واقع الفن التشكيلي وهكذا أعجبتني إجابة الصديق المبدع مهدي الجريبي الذي نفى تسمية الفنون الحديثة بمسميات لا صلة لها بحقيقتها كالمفاهيمية والفراغية إلى آخر المنظومة، أعادني بهذا النفي ما (وصمت) أو وصفت به الأساليب الفنية وربطت بمسميات أدبية الأصل اخترعها نقاد الأدب وتبعهم نقاد الفنون، كان متفقا عليها من غالبية المنتسبين للأدب بكل فروعه ابتداء من الكلاسيكية أقدم مذهب أدبي أخذ حقه من الانتشار سواء في إيطاليا في القرنين الخامس عشر، السادس عشر ميلادي، أو في فرنسا في القرن السابع عشر الميلادي، مع اختلاف المواصفات أو الميزات بين الكلاسيكية الإيطالية التي ترتكز على النهج اليوناني وبين الفرنسية بنهجها اللاتيني، لا تسمح المساحة هنا للتفاصيل حول ما كان ينتهجه راسين أو بما تأثر به هوارس المباشر بأرسطو.
تلك الجملة أو عبارة النفي من الجريبي تكشف بعد وعلو ثقافته التشكيلية التي خرج فيها بالكثير من الإبداعات على مستوى التنفيذ والفكرة أو على قدرته في صياغة ذلك الفعل وتفسيره وإصدار بيانه، هذه القدرة يفتقدها الكثير ممن بالساحة ممن اعتلوا صهوة الفن دون علم بكيفية تحريك أدوات توجيهه وتحقيق الهدف منه، وإنما جاء دخولهم للساحة من باب الهواية وحب (تشكيل الخامة) وإلحاق ما ينتج عنها بأي من الفنون الحديثة وتسمياتها تلك، ومن المؤسف أن نجد من هؤلاء من يرى في ما يقدمه من تجارب أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها ممارسات (عبثية) تخلو من الهدف ولا تحمل مضمونا أو فكرة بقدر ما يبهر صاحبها سهولة تنفيذها إذا قارنها بما يشاهده من أعمال أصبحت سيدة الموقف في عالم الفنون إلا ما ندر وبني على خبرات سابقة.
لهذا يمكن الاتفاق مع الفنان مهدي بأن مثل تلك التسميات لا ناقة لها أو جمل في عالم الفنون المتحرك الديناميكي المتطور المتغير والمتبدل إلا من حيث الإيحاء المشابه لمثيلاتها في الأدب، بناء على ما يحيط بالفنون البصرية من تغيرات فكرية إنسانية أو إمكانيات تقنية، تبدأ بالخامة المادية الملموسة وصولا إلى عالم البرامج الإلكترونية.
الأسبوع القادم (فتح فروع تشكيلية.. أو.. كشف المستور).
monif@hotmail.com