في خضم الصراعات التي تدور في مجتمعنا حول أمور هامشية أو خلافية على أحسن الأحوال، ترتفع أصوات نشاز، اعتاد الناس على سماع ضجيجها حتى لم يعد لها من المصداقية إلا مثل ما لبشار الأسد عند شعب الشام، فهذه الأصوات لا تملك من العلم إلا أقله، ولا من الحكمة التي هي ضالة المؤمن إلا النزر اليسير حتى لتخال أنها قيضت للحمق وقيض الحمق لها. تراهم يقفزون من محطة فضائية إلى أخرى، ومن صحيفة إلى أختها، حتى ضاق كثير من مسؤولي الصحف بهم ذرعا، إذ إنهم لا يحسنون صنعا، بل يزيدون الأمر سوءا، وهم معروفون بسيماهم لدى الجميع، إذ أصبحوا مجال تندر للناس، فلم يعد أحد يهتم بما سيقولون، بل بأي باقعة سيأتون، وكيف سيشطحون.
إن مثل هؤلاء لا يضيفون جديدا لأي قضية، ولا حلاً لأي مشكلة، فكل همهم هو الظهور بأي شكل، ولا بأس أن يكون الظهور مصحوبا بصرعات جديدة من الأزياء التي ربما سيتحدث الناس عنها أكثر من حديثهم عما قيل في الحوار. ولو انتهى الأمر عند هذا الحد لهان الأمر، ولكن المشكلة أنه يتزاوج مع كل ما ذكر آنفا انحدار في السلوك ورداءة في استخدام اللغة التي لو استخدمها جاهل لما غفرتها له، ومع هذا تجد من الناس من لا زال يدافع عن مثل هؤلاء، ويستميت في اختلاق الأعذار لهم، مع أنه لو كان ابنه مكان أحدهم لأنبه ووبخه على سوء سلوكه، ولكن لله في خلقه شؤون.
إن ما يعطي مثل هؤلاء فرصة للظهور والتنظير هو إحجام « المؤهلين» عن فعل ذلك، وهؤلاء «المؤهلون» لو قالوا شيئا، أو كتبوا لتغير حال هذا المجتمع الذي يبدو دوما وكأنه في حرب مع نفسه، في ظل صراعات لا يستحق كثير منها حتى التوقف عنده في كثير من الأحيان. لا ندري عن سبب إحجامهم شيئا، وربما أن لهم حسابات لا ندركها، ولكن أيا يكن الحال فإن للمجتمع عليهم حقا يتمثل في أهمية «المشاركة» عندما يتعلق الأمر بقضية رأي عام، أو عندما يتعلق بقضية خلافية، فالصمت هنا قد يدخل في باب «كتمان العلم» الذي لا يجوز شرعا!.
وليت الأمر ينتهي عند عدم المشاركة، ولكنه يتجاوزه إلى عدم التدخل فيما هو دون ذلك. أحد هذه الأسماء المؤهلة علميا لم يستطع -حتى اللحظة - من نصح أحد موظفيه بعدم التدخل في القضايا الشائكة وإثارة البلبلة، فقد اعتاد هذا الموظف على مناكفة كل قرار يصدر من الجهات العليا للدولة، ويحرص على الاستشهاد بأشد الآراء الفقهية تطرفا ،وذلك إمعانا في إثارة العامة وبث المزيد من القلق، ومع ذلك فلا زال رئيسه يكافئه سنة بعد سنة، ويلبي جميع مطالبه في موقف يستعصي على الفهم!.
وختاما، إذا كنتم لا ترغبون في التدخل في قضايا المجتمع، فعلى الأقل أوقفوا من هو تحت مسؤوليتكم عن إثارة الناس، فهذا هو أقل الإيمان.
فاصلة:
«ليس من الحكمة أن تمارس الفضيلة من أجل الشهرة».
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2